للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ شَيخُ الإسلامِ زَكريَّا الأنصاريُّ : ثمَّ ما تقرَّرَ مِنْ وُجوبِ القِصاصِ في السَّمعِ هو ما جزَمَ به الشَّيخانِ ونَقَلاهُ عن تَصحيحِ الإمامِ، قالَ ابنِ الرِّفعةُ وغيرُه: والمَذهبُ فيه المَنعُ؛ إذ هو قولُ الجُمهورِ، ونَصَّ عليهِ في «الأمِّ». انتَهى (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : وذكَرَ صاحِبُ «المُهذَّب» أنه لو جنَى على رَأسِه فذهَبَ عَقلُه أو على أنفِه فذهَبَ شمُّه أو على أذنِه فذهَبَ سَمعُه فلا قِصاصَ في العقلِ والشمِّ والسمعِ، والأقرَبُ منعُ القصاصِ في العَقلِ ووُجوبُه في الشمِّ والبطشِ والذَّوقِ؛ لأنَّ لها مَحالَّ مَضبوطةً، ولأهلِ الخِبرةِ طُرقٌ في إبطَالِها، وإذا ذهَبَ الضَّوءُ بالمُوضِحةِ واقتَصَصْنا في المُوضحةِ فلَم يَذهبْ ضوءُ الجاني أُذهِبَ بأخفِّ ما يُمكِنُ، كتَقريبِ حَديدةٍ مُحمَّاةٍ مِنْ عَينَيهِ أو طَرحِ كافورٍ فيها ونحوِهما، وإنْ ذهَبَ ضوءُ الجاني حصَلَ القِصاصُ (٢).

وقالَ الحَنابلةُ: مَنْ أوضَحَ إنسانًا أو شَجَّه دونَ مُوضحةٍ أو لطَمَه فذهَبَ ضوءُ عَينِه أو سَمعُه أو شَمُّه فإنه يُوضحُه، فإنْ ذهَبَ ذلكَ وإلا استعملَ فيه ما يُذهبُه مِنْ غيرِ أنْ يَجنيَ على حَدقتِه أو أذنِه أو أنفِه، فإنْ لم يُمكنْ إلا بالجِنايةِ على هذهِ الأعضاءِ سقَطَ القِصاصُ؛ لتعذُّرِ المُماثلةِ، وتَجبُ الديَةُ وتكونُ في مالِ الجاني لا على عاقِلتِه؛ لأنها لا تَحملُ العَمدَ.


(١) «أسنى المطالب» (٤/ ٢٥).
(٢) «روضة الطالبين» (٦/ ٢٠١)، و «البيان» (١١/ ٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>