للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي: إذا اقتَصَّ منه -يعنِي لطَمَه مثلَ لَطمتِه- فذهَبَ ضوءُ عَينِه ولم تَبيضَّ ولم تَشخصْ فإنْ أمكَنَ مُعالجتُها حتَّى تَبيضَّ وتَشخصَ مِنْ غيرِ ذَهابِ الحَدقةِ فعَلَه، وإنْ تعذَّرَ ذلكَ فلا شيءَ عليهِ، كما لو اندَملَتْ مُوضحةُ المَجنيِّ عليهِ وَحِشةً قَبيحةً ومُوضحةُ الجاني حَسنةً جَميلةً لم يَجبْ شيءٌ، كذلكَ هاهُنا، وهذا بَناهُ على أنَّ اللَّطمةَ حصَلَ بها القِصاصُ كما حصَلَ بجُرحِ المُوضحةِ، وقد بيَّنَّا فسادَ هذا.

فَصلٌ: وإنْ شَجَّه شَجةً دونَ المُوضحةِ فأذهَبَ ضوءَ عَينِه لم يقتَصَّ منه مثلَ شَجَّتِه بغيرِ خِلافٍ نَعلمُه؛ لأنها لا قصاصَ فيها إذا لم يَذهبْ ضوءُ العَينِ، فكذلكَ إذا ذهَبَ، ويُعالَجُ ضوءُ العَينِ بمثلِ ما ذكَرْنا في اللَّطمةِ، وإنْ كانَتِ الشَّجةُ فوقَ المُوضحةِ فله أنْ يَقتصَّ مُوضِحةً، وهل له أرشُ الزِّيادةِ عليها؟ فيه وَجهانِ: وإنْ ذهَبَ ضوءُ العَينِ وإلا استعملَ فيه ما يُزيلُه مِنْ غيرِ أنْ يَجنيَ على الحَدقةِ، وإنْ شَجَّه مُوضِحةً فله أنْ يَقتصَّ منها، وحُكمُ القِصاصِ في البَصرِ على ما ذكَرْنا مِنْ قبلُ.

واختَلفَ أصحابُ الشافِعيِّ في القِصاصِ في البَصرِ في هذهِ المَواضعِ كلِّها، فقالَ بَعضُهم: لا قِصاصَ فيه؛ لأنه لا يَجبُ بالسرايةِ كما لو قطَعَ أصبعَه فسَرَى القَطعُ إلى التي تَليها فأذهَبَها عندَهم، وقالَ بَعضُهم: يَجبُ القِصاصُ هاهُنا قولًا واحدًا؛ لأنَّ ضوءَ العَينِ لا تُمكنُ مُباشَرتُه بالجِنايةِ، فيُقتصُّ منه بالسِّرايةِ كالنفسِ، فيُقتصُّ مِنْ البَصرِ كما ذكَرْنا فيما قبلَ هذا (١).


(١) «المغني» (٨/ ٢٦٠، ٢٦١)، و «المبدع» (٨/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٦٤، ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>