ولا يُنظرُ هنا لكَونِه يُستطاعُ فِعلُ الشَّللِ بدونِ الضَّربِ أم لا، ولعَلَّ الفرقَ بينَه وبينَ ما قبلَه نُدورُ الشلَلِ عن الضَّربِ، بخِلافِ ذَهابِ البَصرِ (١).
وقالَ الشافِعيةُ: النوعُ الثالثُ: إبطالُ المَنافعِ: وهي لا تَفوتُ بالمُباشَرةِ لها، بل تَبعًا لمَحلِّها أو لمُجاورِها، فإنْ أذهَبَ ضَوءَ عَينيهِ -بفَتحِ الضادِ وضَمِّها- بهاشِمةٍ أو نحوِها ممَّا لا قِصاصَ فيه أذهَبَه مِنْ الجاني بكافورٍ أو بتَقريبِ حَديدةٍ حاميةٍ مِنْ حَدَقتِه أو بنحوِهما، وفي الهاشِمةِ أرشُها؛ لتعذُّرِ القصاصِ فيها، وإنْ أذهَبَه بمُوضِحةٍ وكذا بلَطمةٍ تُذهِبُ الضوءَ غالبًا اقتُصَّ بمِثلِ فعلِه، فإنْ لم يَذهبْ أذهَبَه بكافورٍ أو نحوِه، فإنْ لم يُمكنْ إذهابُه إلا بإذهابِ الحَدقةِ سقَطَ القصاصُ ووجَبَتِ الديةُ؛ لأنه لا يَجوزُ أنْ يَستوفِيَ أكثَرَ مِنْ حقِّه، وتَقييدُ ما ذُكرَ بضَوءِ العَينينِ ليسَ بقَيدٍ، بل ضَوءُ إحداهُما كذلكَ، إلا في مَسألةِ اللَّطمةِ؛ لأنه ربَّما لطَمَه فأذهَبَ ضَوءَ عَينيهِ معًا، بل يُذهبُه بالمُعالَجةِ إنْ أمكَنَ، وإلا فالدِّيةُ.
والسَّمعُ والشمُّ والذوقُ والكَلامُ والبَطشُ لا العَقلُ كالبَصرِ في أنَّ إبطَالَها يُوجبُ القصاصَ بالسِّرايةِ؛ لأنَّ لها مَحالَّ مَضبوطةً ولأهلِ الخِبرةِ طُرقًا في إبطَالِها، بخِلافِ العَقلِ؛ لتعذُّرِ إزالتِه بالسِّرايةِ؛ إذ لا يُوثَقُ بالمُعالَجةِ ممَّا يُزيلُه، ولاختِلافِ الناسِ في مَحلِّه.
(١) «التوضيح» لابن الحاجب (٨/ ٩٠)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٢٥٣٨، ٢٣٩)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٢٠٢، ٢٠٣)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٢٤٣).