للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا في ذَهابِ مَنفعةِ العُضوِ، هل يُقتصُّ منه أم لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ إلى وُجوبِ القصاصِ في البَصرِ والسَّمعِ اتِّفاقًا، والشَمِّ عندَ المالِكيةِ والحَنابلةِ والصَّحيحِ عندَ الشافِعيةِ؛ لأنَّ لها مَحالَّ مَضبوطةً ولأهلِ الخِبرةِ طُرقًا في إبطَالِها، ورُويَ «أنَّ عُثمانَ أُتِيَ برَجلٍ لطَمَ عيْنَ رَجلٍ فذهَبَ بَصرُه وعَينُه قائِمةٌ، فأرادَ عُثمانُ أنْ يُقيدَه فأعيَا ذلكَ عليهِ وعلى الناسِ، حتَّى أتَى عليًّا ، فأمَرَ بالمُصيبِ فجعَلَ على عَينهِ كُرسفَ، ثمَّ استَقبلَ به عيْنَ الشمسِ وأُدنيَتْ مِنْ عَينِه مِرآةٌ فالتَمعَ بصَرُه وعَينُه قائمةٌ»، ورُويَ «أن علِيًّا أمَرَ بمِرآةٍ فأُحميَتْ ثم أُدنيَتْ فقطَعَتْ عيْنَه وبَقيتْ قائِمةً مَفتوحةً».

قالَ المالِكيةُ: مَنْ ضرَبَ إنسانًا فذهَبَ نُورُ بَصرِه والعَينُ قائمةٌ مكانَها لم تخسفْ فإنه يُفعلُ بالجاني مثلُ ذلكَ، فإنِ استَطاعَ القودَ منه على هَذهِ الصُّورةِ أُقيدَ، وإنْ لم يَستطعْ أنْ يَفعلَ به مثلَ ذلكَ فإنه يَتعينُ العَقلُ، وكذا الحُكمُ في السَّمعِ والشمِّ والذوقِ.

وكذا مَنْ ضرَبَ يَدَ شَخصٍ أو رِجلَه عَمدًا فبسَببِ تلكَ الضَّربةِ شُلَّتْ يَدُ المَضروبِ فإنه يُفعلُ بالضاربِ مثلُ ذلكَ، فإنْ شُلَّتْ يَدُ الضاربِ وإلا فالعَقلُ في مالِه دونَ العاقِلةِ، وقيَّدَ أشهَبُ هذا بما إذا كانَتِ الضربةُ بجُرحٍ فيه القَودُ، وأما إنْ ضرَبَه على رَأسِه فشُلَّتْ يَدُه فلا قوَدَ فيه وعليهِ دِيةُ اليدِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>