وحَكى أبو الخَطابِ عن أحمدَ رِوايةً أنَّه يَجبُ الحُكمُ بينَهم.
وإنْ تحاكَم مُسلِمٌ وذِميٌّ وجَبَ الحُكمُ بينَهما بغيرِ خِلافٍ؛ لأنَّه يَجبُ دَفعُ ظُلمِ كلِّ واحِدٍ منهما عن صاحِبِه.
قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: إذا تَحاكَم إلينا أهلُ الذِّمةِ أو استَعدى بَعضُهم على بَعضٍ فالحاكِمُ مُخيَّرٌ بينَ إِحضارِهم والحُكمِ بينَهم وبينَ تَركِهم، سَواءٌ كانُوا من أهلِ دِينٍ واحِدٍ أو من أهلِ أَديانٍ.
هذا المَنصوصُ عن أحمدَ، وهو قَولُ النَّخَعيِّ وأحدُ قَولَيِ الشافِعيِّ، وحَكى أبو الخَطابِ عن أحمدَ رِوايةً أُخرى، أنَّه يَجبُ الحُكمُ بينَهم، وهذا القَولُ الثانِي للشافِعيِّ واختيارُ المُزَنِيِّ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٩]. ولأنَّه يَلزمُه دَفعُ مَنْ قصَد واحدًا منهما بغيرِ حقٍّ، فلزِمَه الحُكمُ بينَهما كالمُسلِمينَ.
ولنا: قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة: ٤٢]. فخيَّره بينَ الأمرَينِ، ولا خِلافَ في أنَّ هذه الآيةَ نزلَت فيمَن وادَعه رَسولُ اللهِ ﷺ من يَهودِ المَدينةِ؛ ولأنَّهما كافِرانِ فلا يَجبُ الحُكمُ بينَهما كالمُعاهَدين.
والآيةُ التي احتَجُّوا بها، مَحمولةٌ على مَنْ اختار الحُكمَ بينَهم؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [المائدة: ٤٢] جَمعًا بينَ الآيتَينِ؛ فإنَّه لا يُصارُ إلى النَّسخِ مع إِمكانِ الجَمعِ. فإذا ثبَتَ هذا فإنَّه إذا حُكمَ بينَهم لم يَجزْ له الحُكمُ إلا بحُكمِ الإسلامِ؛ للآيتَينِ ولأنَّه لا يَجوزُ له الحُكمُ إلا بالقِسطِ كما في حَقِّ المُسلِمينَ، ومتى حُكِم بينَهما