للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أيضًا: كانَ صَلاحُ الدِّينِ وأهلُ بَيتِه يُذلُّونَ النَّصارى، ولم يَكونوا يَستعمِلونَ منهم أحدًا؛ ولهذا كانُوا مُؤيَّدينَ مَنصورينَ على الأَعداءِ مع قِلةِ المالِ والعَددِ، وإنَّما قوِيَت شَوكةُ النَّصارى والتَّتارِ بعدَ مَوتِ العادلِ حتى قامَ بعضُ المُلوكِ فأَعطاهم بعضَ مَدائِنِ المُسلِمينَ، وحدَثَت حَوادثُ بسَببِ التَّفريطِ فيما أمَرَ اللهُ به ورَسولُه ؛ فإنَّ اللهَ تَعالى يَقولُ: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾ [الحج: ٤٠].

إلى أنْ قالَ: وهُم إلى ما في بِلادِ المُسلِمينَ أحوَجُ من المُسلِمينَ إلى ما في بِلادِهم، بل مَصلحةُ دِينِهم لا تَقومُ إلا بما في بِلادِ المُسلِمينَ، والمُسلِمونَ وللهِ الحَمدُ مُستَغنونَ عنهم في دِينِهم ودُنياهم، ففي ذِمةِ المُسلِمينَ من عُلماءِ النَّصارى ورُهبانِهم من يَحتاجُ إليهم، أولئك النَّصارى، وليسَ عندَ النَّصارى مُسلِمٌ يَحتاجُ إليه المُسلِمونَ مع أنَّ افتِداءَ الأُسراءِ من أعظَمِ الواجِباتِ، وأنَّ كلَّ مُسلمٍ يَعلمُ أنَّهم لا يَتَّجِرون إلى بِلادِ المُسلِمينَ إلا لأغراضِهم لا لنَفعِ المُسلِمينَ، ولو منَعَهم مُلوكُهم من ذلك لكانَ حِرصُهم على المالِ يَمنعُهم من الطاعةِ؛ فإنَّهم أرغَبُ الناسِ في المالِ؛ ولهذا يَتقامَرونَ في الكَنائسِ وهُم طَوائفُ، كلُّ طائِفةٍ تُضادُّ الأُخرى.

ولا يُشيرُ على وَليِّ الأمرِ بما فيه إِظهارُ شِعارِهم في دارِ الإسلامِ أو تَقويةُ أَيدِيهم بوَجهٍ من الوُجوهِ إلا رَجلٌ مُنافِقٌ أو له غَرضٌ فاسِدٌ أو في غايةِ الجَهلِ لا يَعرِفُ السياسةَ الشَّرعيةَ التي تَنصرُ سُلطانَ المُسلِمينَ على أَعدائِه وأَعداءِ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>