للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنَّبيُّ قد نَهى أنْ يُبدَؤوا بالسَّلامِ، وأمَرَ إذا لقيهم المُسلِمونَ أنْ يَضطرُّوهم إلى أضيقِ الطُّرقِ، وقالَ: «الإسلامُ يَعلو ولا يُعلَى عليه».

وقد مُنعوا من تَعليةِ بِنائِهم على المُسلِمينَ؛ فكيف إذا كانُوا وُلاةً على المُسلِمينَ فيما يُقبَضُ منهم ويُصرَفُ إليهم، وفيما يُؤمَرونَ به من الأُمورِ الماليةِ، ويُقبَلُ خَبرُهم في ذلك فيَكونونَ هُمْ الآمِرينَ الشاهِدينَ عليهم؟! هذا من أعظَمِ ما يَكونُ من مُخالفةِ اللهِ ورَسولِه .

وقد قدِمَ أبو موسى على عُمرَ بحِسابِ العِراقِ فقالَ: «ادْعُ كاتبَك يَقرَؤُه علَيَّ» فقالَ: «إنَّه لا يَدخلُ المَسجدَ» قالَ: «ولمَ؟» قالَ: «لأنَّه نَصرانِيٌّ» فضرَبَه عُمرُ بالدِّرةِ فلو أَصابَتْه لأَوجَعتْه ثم قالَ: «لا تُعِزُّوهم بعدَ أنْ أَذلَّهم اللهُ، ولا تَأمَنوهم بعدَ أنْ خوَّنَهم اللهُ، ولا تُصدِّقوهم بعدَ أنْ أَكْذَبهم اللهُ».

وكتَبَ إليه خالِدُ بنُ الوَليدِ: «إنَّ بالشامِ كاتِبًا نَصرانيًّا لا يَقومُ خَراجُ الشامِ إلا به، فكتَبَ إليه: «لا تَستعمِلْه». فكتَبَ: إنَّه لا غِنى بِنا عنه. فكتَبَ إليه عُمرُ: «لا تَستعمِلْه»، فكتَبَ إليه: إذا لم نُولِّه ضاعَ المالُ. فكتَبَ إليه عُمرُ : «مات النَّصرانِيُّ، والسَّلامُ». يَعني: قدِّرْ مَوتَه، فمَن ترَكَ للهِ شَيئًا عوَّضَه اللهُ خَيرًا منه، إلى أنْ قالَ: وقد يُشيرونَ عليهم بالآراءِ التي يَظنُّونَ أنَّها مَصلحةٌ ويَكونُ فيها من فِسادِ دِينِهم ودُنياهم ما لا يَعلمُه إلا اللهُ، وهو يَتديَّنُ بخِذلانِ الجُندِ وغِشِّهم، يَرى أنَّهم ظالِمونَ وأنَّ الأرضَ مُستحَقةٌ للنَّصارى، ويَتمنى أنْ يَتملَّكها النَّصارى.

<<  <  ج: ص:  >  >>