للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَومُ الجُمُعةِ، فيه خُلقَ آدَمُ وفيه تِيبَ عليه، وفيه تَقومُ الساعةُ» (١). فجعَلَ خلْقَ آدمَ من جُملةِ فَضائلِه؛ لأنَّ خلْقَه سَببُ وُجودِ الأنبياءِ والصالِحينَ وأهلِ الطاعةِ والمُؤمِنينَ، وإنْ كانَ مع كلِّ رَجلٍ مُسلمٍ المِئُون من الكُفارِ فلا عِبرةَ بهم لأجلِ ذلك المُسلمِ الواحِدِ ولذلك جاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ عن رَسولِ اللهِ : «أنَّ اللهَ تَعالى يَقولُ لآدمَ ابعَثَ بعْثَ النارِ، فيَخرجُ مِنْ كلِّ ألفٍ تِسْعُمئةٍ وتِسْعةٌ وتِسْعونَ» (٢) فيَبقَى من كلِّ ألْفٍ واحِدٌ والبَقيةُ كُفارٌ، فجازَ أهلُ النارِ والمعاصي والفُجورِ، ومع ذلك كانَ ذلك الواحِدُ تَربو مَصلَحةُ إسلامِه على مَفسَدةِ أولئك، وأنَّهم كالعَدمِ الصِّرفِ بالنِّسبةِ إلى نُورِ الإيمانِ وعِبادةِ الرَّحمنِ، فتأمَّلْ ذلك، فكذلك ههنا إيمانٌ يُتوقَّعُ من الأصلِ أو من آحادِ الذَّراريِّ لا يَعدِلُه شَيءٌ من ذلك الكُفرِ الواقِعِ من غيرِه فعَقدُ الجِزيةِ من آثارِ رَحمةِ اللهِ تَعالى ومِن الشَّرائعِ الواقِعةِ على وَفقِ الحِكمةِ ولم تُؤخَذِ الجِزيةُ من الكُفارِ لتَحصيلِ مَصلَحةِ تلك الدَّراهمِ المَأخوذةِ منه، بل لتَوقعِ هذه المَصلَحةِ أو المَصالحِ العَظيمةِ بالتِزامِ تلك المَفسَدةِ الحَقيرةِ بخِلافِ أخذِ المالِ على مُداومةِ الزِّنا أو غيرِه من المَفاسِدِ؛ فإنَّ ذلك تَرجيحٌ للمَصلحةِ الحَقيرةِ التي هي الدَّراهمُ على المَفسدةِ العَظيمةِ التي هي مَعصيةُ اللهِ تَعالى، نَعمْ لو عَجَزنا عن إزالةِ مُنكَرٍ من هذه المُنكَراتِ إلا بدَفعِ دَراهمَ دَفَعناها لمَن يأكُلُها حَرامًا حتى


(١) رواه مسلم (٨٥٤).
(٢) أصله في البخاري (٦٥٣٠)، ومسلم (٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>