للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتَرُكَ ذلك المُنكَرَ العَظيمَ كما يُدفَعُ المالُ في فِداءِ الأُسارى، والكُفارُ مُخاطَبونَ بفُروعِ الشَّريعةِ يَحرُمُ عليهم أكلُ ذلك المالِ ليُتوصَّلَ بذلك المُحرَّمِ لتَخليصِ الأسيرِ من أيدي العَدوِّ، ولذلك يُعطى المُحارِبُ المالَ اليَسيرَ كالثَّوبِ ونَحوِه ليَسلمَ صاحِبُه من المُقاتِلةِ معه فيَموتَ أحدُهما أو كِلاهما، أو يَكونَ المَأخوذُ من المالِ على وَجهِ التَّحريمِ والمَعصيةِ أكثَرَ.

وأمَّا دَفعُ المالِ لغَرضِ المُداوَمةِ على المَعصيةِ ليسَ إلا، فهذا لمْ يَقعْ في الشَّريعةِ بل الشَّريعةُ تُحرِّمُه ولا تُبيحُه، فهذه القاعِدةُ مَفسَدةٌ صِرفةٌ فلمْ تُشرَعْ، وقاعِدةُ الجِزيةِ مُشتمِلةٌ على التِزامِ المَفسَدةِ القَليلةِ لدَفعِ المَفسَدةِ العَظيمةِ وتَوقُّعِ المَصلَحةِ العَظيمةِ، فشُرعَت، فهذا هو الفَرقُ بينَ القاعِدتَينِ (١).

وقالَ ابنُ الأزرقِ : الفَرقُ بينَ جَوازِ أخذِ الجِزيةِ على الكُفرِ ومَنعِ أخذِ العِوَضِ عن المَعصيةِ -مُلخَّصًا بالمَعنى من كَلامِ القَرافيِّ- أنَّ الجِزيةَ مُشتمِلةٌ على العِوَضِ على التِزامِ مَفسَدةٍ قَليلةٍ لدَفع مَفسدةٍ عَظيمةٍ وتَوقُّعِ مَصلحةٍ عُليا، فأخذُ العِوَضِ عن المَعصيةِ مُتضمِّنٌ لتَرجيحِ مَصلَحةٍ حَقيرةٍ على مَفسَدةٍ عَظيمةٍ؛ وذلك لأنَّ الكافِرَ إذا قُتلَ فإنَّه فاتَه الإيمانُ.

فشُرعَت الجِزيةُ رَجاءَ أنْ يُسلِمَ في المُستقبَلِ، وإذْ ذاك تَتبَعُه ذُرِّيتُه وتَتِّصِلُ سِلسِلةُ الإسلامِ من قِبَلِه، وإنْ ماتَ على كُفرِه فإسلامُ ذُرِّيَّتِه مُتوقَّعٌ إلى يَومِ القيامةِ، فساعةٌ من الإيمانِ تَعدِلُ دُهورًا من الكُفرِ، ومِن ثَمَّ كانَ


(١) «الفروق» (٣/ ٢١، ٢٣)، و «الذخيرة» (٣/ ٤٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>