للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولُ: الكُفرُ: فالكافِرُ إنْ كانَ مُحارِبًا فهو يَستحِقُّ القَتلَ والإرقاقَ، وليسَ بعدَ هذَينِ إهانةٌ، وأمَّا الذِّميُّ فإنَّه لا يَجوزُ إيذاؤُه إلا بالإعراضِ عنه، والتَّحقيرِ له بالاضطِرارِ إلى أضيَقِ الطَّريقِ وبتَركِ المُفاتَحةِ بالسَّلامِ، فإذا قالَ: «السَّلامُ عليكَ» قُلتَ: «وعليكَ»، والأوْلى الكَفُّ عن مُخالَطتِه ومُعامَلتِه ومُواكَلتِه، وأمَّا الانبِساطُ معه والاستِرسالُ إليه كما يُسترسَلُ إلى الأصدِقاءِ فهو مَكروهٌ كَراهةً شَديدةً يَكادُ يَنتَهي ما يَقوى منها إلى حَدِّ التَّحريمِ فقالَ تَعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ﴾ الآية [المجادلة: ٢٢] وقالَ : «المُسلِمُ والمُشرِكُ لا تَراءَى ناراهُما»، فحَديثُ «المُؤمِنُ والمُشرِكُ لا تتَراءَى ناراهما» رَواه أبو داودَ والتِّرمِذيُّ من حَديثِ جَريرٍ: «أنا بَريءٌ من كلِّ مُسلمٍ يُقيمُ بينَ أظهُرِ المُشرِكينَ»، قالُوا: يا رَسولَ اللهِ، لمَ؟ قالَ: «لا تَراءَى ناراهُما» (١) رَواه النَّسائيُّ مُرسَلًا، وقالَ البُخاريُّ: الصَّحيحُ أنَّه مُرسَلٌ.

وقالَ ٥: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ﴾ [الممتحنة: ١] الآيةَ (٢).

وقالَ الفَخرُ الرازيُّ : واعلَمْ أنَّه تَعالى أنزَلَ آياتٍ كَثيرةً في هذا المَعنى، منها قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾ [آل عمران: ١١٨] وقَولُه: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٦٤٥)، والترمذي (١٦٠٤)، والنسائي (٤٧٨٠).
(٢) «إحياء علوم الدين» (٢/ ١٦٩، ١٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>