للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحَكى في ذلك إجماعَ الأُمةِ، فقد يُؤدِّي إلى إتلافِ النُّفوسِ والأموالِ صَونًا لمُقتَضاه عن الضَّياعِ؛ إنَّه لعظيمٌ، وإذا كانَ عَقدُ الذِّمةِ بهذه المَثابةِ وتَعيَّنَ علينا أنْ نَبَرَّهم بكلِّ أمرٍ لا يَدلُّ ظاهِرُه على مَودَّاتِ القُلوبِ ولا على تَعظيمِ شَعائرِ الكُفرِ، فمَتى أدَّى إلى أحَدِ هذَينِ امتنَعَ وصارَ من قَبيلِ ما نُهي عنه في الآيةِ وغيرِها، ويتَّضِحُ ذلك بالمِثلِ.

فإخلاءُ المَجالسِ لهم عندَ قُدومِهم علينا والقيامُ لهم حينَئذٍ ونِداؤُهم بالأسماءِ العَظيمةِ المُوجِبةِ لرَفعِ شأنِ المُنادَى بها هذا كلُّه حَرامٌ، وكذلك إذا تَلاقَينا معهم في الطَّريقِ وأخلَيْنا لهم واسِعَها ورَحبَها والسَّهلَ منها، وتَرَكنا أنفُسَنا في خَسيسِها وحَزنِها وضِيقِها كما جرَت العادةُ أنْ يَفعلَ ذلك المَرءُ مع الرَّئيسِ والوَلدُ مع الوالِدِ والحَقيرُ مع الشَّريفِ؛ فإنَّ هذا مَمنوعٌ لما فيه من تَعظيمِ شَعائِرِ الكُفرِ وتَحقيرِ شَعائرِ اللهِ تَعالى وشَعائرِ دِينِه واحتِقارِ أهلِه.

ومن ذلك تَمكينُهم من الوِلاياتِ والتَّصرُّفِ في الأُمورِ المُوجِبةِ لقَهرِ مَنْ هي عليه، أو منه ظُهورُ العُلُوِّ وسُلطانِ المُطالَبةِ، فذلك كلُّه مَمنوعٌ، وإنْ كانَ في غايةِ الرِّفقِ والأناةِ أيضًا؛ لأنَّ الرِّفقَ والأناةَ في هذا البابِ نَوعٌ من الرِّئاسةِ والسِّيادةِ وعُلوِّ المَنزِلةِ في المَكارِمِ فهي دَرجةٌ رَفيعةٌ أوصَلناهم إليها وعَظَّمناهم بسَببِها ورَفَعنا قَدرَهم بإيثارِها، وذلك كلُّه مَنهيٌّ عنه.

وكذلك لا يَكونُ المُسلِمُ عندَهم خادِمًا ولا أجيرًا يُؤمَرُ ويُنهَى، ولا يَكونُ أحَدٌ منهم وَكيلًا في المُحاكَماتِ على المُسلِمينَ عندَ وُلاةِ الأُمورِ؛ فإنَّ ذلك أيضًا إثباتٌ لسُلطانِهم على ذلك المُسلِمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>