وأمَّا ما أُمِرنا به من بِرِّهم ومن غيرِ مَودةٍ باطِنيةٍ؛ فالرِّفقُ بضَعيفِهم وسَدُّ خَلةِ فَقيرِهم وإطعامِ جائِعِهم وإكساءُ عاريهم ولينُ القَولِ لهم على سَبيلِ اللُّطفِ والرَّحمةِ لهم، لا على سَبيلِ الخَوفِ والذِّلةِ، وكذلك احتِمالُ إذايَتِهم في الجِوارِ مع القُدرةِ على إزالَتِه لُطفًا منَّا بهم، لا خَوفًا وتَعظيمًا، والدُّعاءُ لهم بالهِدايةِ وأنْ يُجعَلوا من أهلِ السَّعادةِ، ونَصيحتُهم في جَميعِ أُمورِهم في دِينِهم ودُنياهم، وحِفظُ غَيبَتِهم إذا تَعرَّض أحَدٌ لأذيَّتِهم، وصَونُ أَموالِهم وعيالِهم وأَعراضِهم وجَميعِ حُقوقِهم ومَصالحِهم، وأنْ يُعانوا على دَفعِ الظُّلمِ عنهم، وكذلك إِيصالُهم لجَميعِ حُقوقِهم، وكذلك كلُّ خَيرٍ يَحسُنُ من الأعلى مع الأسفَلِ أنْ يَفعَلَه ومِن العَدوِّ أنْ يَفعَلَه مع عَدوِّه؛ فإنَّ ذلك من مَكارمِ الأخلاقِ، فجَميعُ ما نَفعَلَه معهم من ذلك يَنبَغي أنْ يَكونَ من هذا القَبيلِ لا على وَجهِ العِزةِ والجَلالةِ منَّا، ولا على وَجهِ التَّعظيمِ لهم وتَحقيرِ أنفُسِنا بذلك الصَّنيعِ لهم.
ويَنبَغي لنا أنْ نَستحضِرَ في قُلوبِنا ما جُبِلوا عليه من بُغضِنا وتَكذيبِ نَبيِّنا ﷺ وأنَّهم لو قدِرُوا علينا لاستأصَلوا شأْفتَنا واستَولَوْا على دِمائِنا وأموالِنا، وأنَّهم من أشَدِّ العُصاةِ لرَبِّنا ومالِكِنا، ثم نُعامِلَهم بعدَ ذلك بما تَقدَّمَ ذِكرُه امتِثالًا لأمرِ رَبِّنا وأمرِ نَبيِّنا ﷺ، لا مَحبةً فيهم ولا تَعظيمًا لهم، ولا نُظهِرَ آثارَ تلك الأُمورِ التي نَستحضِرُها في قُلوبِنا من صِفاتِهم الذَّميمةِ؛ لأنَّ عَقدَ العَهدِ يَمنعُنا من ذلك فنَستحضِرُها، حتى يَمنعَنا من الوُدِّ الباطِنِ لهم والمُحرَّمِ علينا خاصةً، ولمَّا أتى الشَّيخُ أبو الوَليدِ الطُّرطوشيُّ ﵀ الخَليفةَ بمِصرَ وجَدَ عندَه وَزيرًا راهِبًا وسلَّمَ إليه قيادَه وأخَذَ يَسمَعُ رأيَه ويُنفِذُ كَلِماتِه