وقالَ ﷺ:«استَوصُوا بأَهلِ الذِّمةِ خَيرًا»، وقالَ في حَديثٍ آخَر:«استَوصُوا بالقِبطِ خَيرًا»(١) فلا بدَّ من الجَمعِ بينَ هذه النُّصوصِ، وإنَّ الإحسانَ لأهلِ الذِّمةِ مَطلوبٌ، وإنَّ التَّودُّدَ والمُوالاةَ مَنهيٌّ عنهما.
والبابان مُلتبِسانِ فيَحتاجانِ إلى الفَرقِ، وسِرُّ الفَرقِ أنَّ عَقدَ الذِّمةِ يُوجِبُ حُقوقًا علينا لهم؛ لأنَّهم في جِوارِنا وفي خَفارَتِنا وذِمةِ اللهِ تَعالى وذِمةِ رَسولِه ﷺ ودِينِ الإسلامِ، فمَنِ اعتَدى عليهم ولو بكَلِمةِ سُوءٍ أو غِيبةٍ في عِرضِ أحَدِهم أو نَوعٍ من أنواعِ الأذيةِ أو أعانَ على ذلك فقد ضيَّع ذِمةَ اللهِ تَعالى وذِمةَ رَسولِه ﷺ وذِمةَ دِينِ الإسلامِ.
وكذلك حَكى ابنُ حَزمٍ في مَراتِبِ الإجماعِ له أنَّ مَنْ كانَ في الذِّمةِ وجاءَ أهلُ الحَربِ إلى بِلادِنا يَقصِدونَه وجَبَ علينا أنْ نَخرُجَ لقتالِهم بالكُراعِ والسِّلاحِ ونَموتَ دونَ ذلك؛ صَونًا لمَن هو في ذِمةِ اللهِ تَعالى وذِمةِ رَسولِه ﷺ؛ فإنَّ تَسليمَه دونَ ذلك إهمالٌ لعَقدِ الذِّمةِ.
(١) رواه الحاكم في «المستدرك» (٢/ ٦٠٣)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (٦/ ٣٢٢)، وقال الحاكمُ: هذا حَديثٌ صَحيحٌ على شَرطِ الشَّيخَينِ ولمْ يُخرِّجاهُ، وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٦٣): رواه الطَّبراني بإِسنادَينِ ورجالُ أَحدِهما رِجالُ الصَّحيحِ. والحَديثُ الأوَّلُ في مَعناهُ.