وذهَبَ المالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابِلةُ إلى أنَّه يَصحُّ في عَقدِ الهُدنةِ اشتِراطُ رَدِّ مَنْ أسلَمَ من الكُفارِ إليهم سَواءٌ كانَ له عَشيرةٌ أو لم يَكنْ، كما نَصَّ على ذلك الحَنابِلةُ، لما رَواه أبو داودَ وغيرُه عن بُكَيرِ بنِ الأشَجِّ عن الحَسنِ بنِ علِيِّ بنِ أبي رافِعٍ أنَّ أبا رافِعٍ أخبَرَه قالَ: بَعثَتْني قُريشٌ إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ فلمَّا رأيتُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ أُلقيَ في قَلبي الإسلامُ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي واللهِ لا أرجِعُ إليهم أبَدًا، فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ:«إنِّي لا أخِيسُ بِالعَهدِ ولا أحبِسُ البُرُدَ، ولكنِ ارجِعْ؛ فإنْ كانَ في نَفسِك الذي في نَفسِك الآنَ فارجِعْ»، قالَ: فذهَبتُ ثم أتَيتُ النَّبيَّ ﷺ فأسلَمتُ. قالَ بُكيرٌ: وأخبَرَني أنَّ أبَا رافِعٍ كانَ قِبطيًّا. قالَ أبو داودَ: هذا كانَ في ذلك الزَّمَانِ، فأمَّا اليَومَ فلا يَصلُحُ (١).
ولأنَّ النَّبيَّ ﷺ شرَط ذلك في صُلحِ الحُدَيبيةِ ووَفَّى لهم به، فرَدَّ أبا جَندَلٍ وأبا بُصَيرٍ ولم يَخُصَّ بالشَّرطِ ذا العَشيرةِ؛ لأنَّ ذا العَشيرةِ إذا كانَت عَشيرَتُه هي التي تَفتِنُه وتُؤذيه فهو كمَن لا عَشيرةَ له، لكنْ لا يَجوزُ هذا الشَّرطُ إلا عندَ شِدةِ الحاجةِ إليه وتَعيُّنِ المَصلَحةِ فيه، ومَتى شُرطَ لهم ذلك لزِمَ الوَفاءُ به، بمَعنى أنَّهم إذا جاؤُوا في طَلبِه لم يُمنَعوا أخْذَه ولا يُجبَرُ الإمامُ على المُضيِّ معهم.
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٧٥٨)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٧٤)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٨٧٧).