قالَ الحَنابِلةُ: وله أنْ يَأمرَه سِرًّا بالهَربِ منهم، ومُقاتَلتِهم؛ فإنَّ أبا بَصيرٍ لمَّا جاءَ النَّبيَّ ﷺ وجاءَ رَجلانِ في طَلبِه فقالُوا: العَهدَ الذي جَعَلتَ لنا. فدفَعَه إلى الرَّجُلَينِ، فخرَجَا بهِ حتى بلَغَا ذا الحُلَيفةِ فنزَلُوا يَأكلُونَ من تَمرٍ لهم فقالَ أبو بَصِيرٍ لأحَدِ الرَّجلَينِ: واللهِ إنِّي لأَرى سَيفَكَ هذا يا فُلانُ جَيِّدًا، فَاستَلَّهُ الآخَرُ فقالَ: أجَلْ واللهِ إنَّه لجَيِّدٌ، لقد جَرَّبتُ بهِ ثمَّ جَرَّبتُ. فقالَ أبو بَصِيرٍ: أرِني أنظُرْ إليه. فأمكَنَه منه، فضرَبه حتى برَد، وفَرَّ الآخَرُ حتى أتَى المَدينةَ فدخَلَ المَسجِدَ يَعدُو، فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ حينَ رآهُ: «لقد رأى هذا ذُعرًا»، فلمَّا انتَهَى إلى النَّبيِّ ﷺ قالَ: قُتلَ واللهِ صاحِبي وإنِّي لَمَقتولٌ. فجاء أبو بَصيرٍ فقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، قد واللهِ أوْفى اللهُ ذِمتَك، قد رَدَدتَني إليهم ثم أنجاني اللهُ منهم، قالَ النَّبيُّ ﷺ: «وَيلُ أمِّهِ مِسعَرُ حَربٍ لو كانَ له أحَدٌ»، فلمَّا سمِعَ ذلك عرَف أنَّه سيَرُدُّه إليهم، فخرَجَ حتى أتى سَيفَ البَحرِ، قالَ: ويَنفلِتُ منهم أبو جَندَلِ بنُ سُهَيلٍ فلَحِقَ بأبي بَصِيرٍ، فجعَلَ لا يَخرُجُ من قُريشٍ رَجلٌ قد أسلَمَ إلا لحِقَ بأبي بَصِيرٍ حتى اجتمَعَت منهم عِصابةٌ، فواللَّهِ ما يَسمَعونَ بعِيرٍ خرَجَت لقُريشٍ إلى الشامِ إلا اعتَرَضوا لها فقتَلوهم وأخَذوا أموالَهم. فأرسَلَت قُريشٌ إلى النَّبيِّ ﷺ تُناشِدُه باللَّهِ والرَّحِمِ لَما أرسَلَ، فمَن أتاهُ فهو آمِنٌ، فأرسَلَ النَّبيُّ ﷺ إليهم، فأنزَلَ اللهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤] حتى بلَغ ﴿الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ وكانَت حَمِيَّتُهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute