أصحابُ الحُقوقِ وانقطَعَ الرَّجاءُ من مَعرِفَتِهم صارَ مَرجِعُها إلى بَيتِ المالِ وانقطَعَت الشَّركةُ الخاصةُ وصارَت من حُقوقِ بَيتِ المالِ كسائرِ أموالِ بَيتِ المالِ المُستحَقةِ لعامةِ المُسلِمينَ استِحقاقًا لا بطَريقِ المِلكِ؛ لأنَّ من ماتَ وله حقٌّ في بَيتِ المالِ لا يُورَثُ حَقُّه منه بخِلافِ الغَنيمةِ المُحرَزةِ قبلَ جَهالةِ مُستحِقِّيها وتَفرُّقِهم؛ فإنَّها شَرِكةٌ خاصةٌ، وحيثُ صار مَرجِعُها بَيتَ المالِ لم يَبقَ فيها حقُّ الخُمسِ أيضًا، فلِمَن يَستحِقُّ من بَيتِ المالِ أنْ يَتملَّكَها لنَفسِه هذا ما ظهَرَ لي.
وقد رأيتُ رِسالةً لمُحقِّقِ الشافِعيةِ السَّيِّدِ السَّمهوديِّ قالَ فيها: وقد كانَ شَيخُنا الوالِدُ قد شَرى لي أمَةً للتَّسرِّي فذاكَرَ شَيخَنا العَلَّامةَ مُحقِّقَ العَصرِ الجَلالَ المَحليَّ في أمرِ الغَنائمِ والشِّراءِ من وَكيلِ بَيتِ المالِ فقالَ له شَيخُنا الوالِدُ: نحن نَتملَّكُها بطَريقِ الظَّفرِ لما لنا من الحَقِّ الذي لا نَصِلُ إليه في بَيتِ المالِ؛ لأنَّ تلك الجاريةَ على تَقديرِ كَونِها من غَنيمةٍ لم تُقسَمْ قِسمةً شَرعيةً قد آلَ الأمرُ فيها إلى بَيتِ المالِ لتَعذُّرِ العِلمِ بمُستحِقِّيها، فقالَ شَيخُنا المَحليُّ: نَعمْ، لكم فيه حُقوقٌ من وُجوهٍ. اه.
وهذا مُوافِقٌ لما نَقَلناه عن القِنيةِ وعن البَزَّازيةِ، واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
وأمَّا المالِكيةُ، فقالَ الدَّرديرُ في «الشَّرحِ الكَبيرِ»: وليسَ منه -أي: من الغُلولِ المُحرَّمِ- أخْذُ قَدرِ ما يَستحِقُّ منها إذا كانَ الأميرُ جائِرًا لا يَقسِمُ قِسمةً شَرعيةً؛ فإنَّه يَجوزُ إنْ أمِنَ على نَفسِه، ثم قالَ بعدَ ذلك: وجازَ أخذُ
(١) «حاشية ابن عابدين» (٤/ ١٥٩)، و «البحر الرائق» (٩/ ٢٠).