للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنِ الإمامِ أحمَدَ أنَّ التَّسميةَ تُشترطُ على إرسالِ الكَلبِ في العَمدِ والنِّسيانِ، ولا يَلزمُ ذلكَ في إرسالِ السَّهمِ؛ لأنَّ السهمَ آلةٌ حَقيقةً وليسَ له اختِيارٌ، فهو بمَنزلةِ السِّكينِ، بخِلافِ الحيَوانِ؛ فإنه يَفعلُ باختِيارِه (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ التَّسميةَ تَجبُ في حالِ الذِّكرِ وتَسقطُ عندَ النسيانِ عندَ الذَّبحِ، لقَولِه تعالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: ١٢١]، أي: حَرامٌ، ولحَديثِ: «إذا أرسَلْتَ كَلبَكَ المُعلَّمَ وذَكَرتَ اسمَ اللهِ عليهِ فكُلْ» مُتفَقٌ عليهِ.

ولا بُدَّ مِنْ التَّسميةِ وقتَ الذَّبحِ، فإنْ ذبَحَ ولمْ يُسَمِّ فالذَّبيحةُ مَيتةٌ لا يَحلُّ أكلُها، وإنْ ترَكَ التَّسميةَ عندَ ذلكَ ناسِيًا حَلَّ أكلُه.

وأمَّا إذا كانَ ناسِيًا للتَّسميةِ فتَحلُّ، وحِينئذٍ فيُقيَّدُ قولُه تعالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] أي: لا تَأكلُوا ممَّا تُركَتِ التَّسميةُ عليهِ عَمدًا مع القُدرةِ عليهَا، وأما ما تُركَتِ التسميةُ عليهِ نِسيانًا أو عَجزًا فإنه يُؤكلُ؛ لأنَّ في تَحريمِه حَرجًا عظيمًا؛ لأنَّ الإنسانَ قَلَّما يَخلو عن النِّسيانِ، فكانَ في اعتِبارِه حَرجٌ؛ ولأنَّ الناسِيَ غيرُ مُخاطَبٍ بما نَسيَه؛ لقَولِ النبيِّ : «عُفيَ لأمَّتي عن الخَطأِ والنِّسيانِ» (٢). فلمْ يَتركْ فرضًا عليهِ عندَ الذبحِ، بخِلافِ العامِدِ.


(١) «المغني» (٩/ ٢٩٣، ٢٩٤)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٨٨، ٢٨٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٣٦٤، ٣٦٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٠٥، ٤٠٦).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>