للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : فإنْ قيلَ: فهل يَجبُ على المُعتدَّةِ مِنْ طَلاقٍ أو وَطءِ شُبهةٍ أو زِنًى أو استِبراءٍ إحدادٌ؟

قُلنا: هذا هو الحُكمُ الخامِسُ الذي دلَّتْ عليه السُّنةُ أنه لا إحدادَ على واحِدةٍ مِنْ هَؤلاءِ؛ لأنَّ السُّنةَ أثبتَتْ ونفَتْ فخصَّتْ بالإحدادِ الواجِبِ الزَّوجاتِ وبالجائزِ غيرَهنَّ على الأمواتِ خاصَّةً، وما عَداهُما فهو داخِلٌ في حُكمِ التَّحريمِ على الأمواتِ، فمِن أينَ لكُم دخولُه في الإحدادِ على المطلَّقةِ البائنِ؟! وقد قالَ سَعيدُ بنُ المُسيبِ وأبو عُبيدٍ وأبو ثَورٍ وأبو حَنيفةَ وأصحابُه والإمامُ أحمَدُ في إحدَى الرِّوايتينِ عنه اختارَها الخِرقيُّ: إنَّ البائنَ يَجبُ عليها الإحدادُ، وهذا مَحضُ القِياسِ؛ لأنها مُعتدةٌ بائنٌ مِنْ نِكاحٍ، فلَزمَها الإحدادُ كالمُتوفَّى عنها؛ لأنهُما اشتَركَا في العدَّةِ واختَلفَا في سَببِها، ولأنَّ العدَّةَ تُحرِّمُ النكاحَ، فحَرَّمتْ دَواعيهِ.

قالُوا: ولا ريبَ أنَّ الإحدادَ مَعقولُ المَعنى، وهو أنَّ إظهارَ الزِّينةِ والطِّيبِ والحُليِّ ممَّا يَدعُو المَرأةَ إلى الرجالِ ويَدعُو الرجالَ إليها، فلا يُؤمَنُ أنْ تَكذبَ في انقضاءِ عِدتِها استِعجالًا لذلكَ، فمُنعَتْ مِنْ دَواعي ذلكَ وسُدَّتْ إليه الذَّريعةُ، هذا مع أنَّ الكَذبَ في عدَّةِ الوفاةِ يَتعذرُ غالبًا بظُهورِ مَوتِ الزوجِ وكَونِ العدَّةِ أيامًا مَعدودةً، بخِلافِ عدَّةِ الطلاقِ؛ فإنها بالأقراءِ وهي لا تُعلَمُ إلا مِنْ جِهتِها، فكانَ الاحتِياطُ لها أَولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>