قيلَ: قد أنكَرَ اللهُ ﷾ على مَنْ حرَّمَ زَينتَه التي أخرَجَ لعِبادِه والطِّيباتِ مِنْ الرِّزقِ، وهذا يَدلُّ على أنه لا يَجوزُ أنْ يُحرَّمَ مِنْ الزِّينةِ إلا ما حرَّمَه اللهُ ورَسولُه، واللهُ سُبحانَه قد حرَّمَ على لسانِ رَسولِه ﷺ زِينةَ الإحدادِ على المُتوفَّى عنها مُدةَ العدَّةِ، وأباحَ رَسولُه الإحدادَ بتَركِها على غَيرِ الزَّوجِ، فلا يَجوزُ تَحريمُ غيرِ ما حرَّمَه، بل هو على أصلِ الإباحَةِ، وليسَ الإحدادُ مِنْ لَوازمِ العدَّةِ ولا تَوابعِها، ولهذا لا يَجبُ على المَوطوءةِ بشُبهةٍ ولا المَزنِيِّ بها ولا المُستبْرَأةِ ولا الرَّجعيةِ اتِّفاقًا، وهذا القِياسُ أَولى مِنْ قياسِها على المُتوفَّى عنها؛ لِما بيْنَ العدَّتينِ مِنْ القُروءِ قَدرًا أو سَببًا وحُكمًا، فإلحاقُ عدَّةِ الأقراءِ بالأقراءِ أَولى مِنْ إلحاقِ عدَّةِ الأقراءِ بعدَّةِ الوفاةِ، وليسَ المَقصودُ مِنْ الإحدادِ على الزَّوجِ المَيتِ مُجردُ ما ذكَرْتُم مِنْ طَلبِ الاستِعجالِ؛ فإنَّ العدَّةَ فيه لم تَكنْ لمُجردِ العِلمِ ببَراءةِ الرَّحمِ، ولهذا تَجبُ قبلَ الدُّخولِ، وإنما هو مِنْ تَعظيمِ هذا العَقدِ وإظهارِ خَطرِه وشَرفِه وأنه عندَ اللهِ بمَكانٍ، فجُعلَتِ العدَّةُ حَريمًا له، وجُعلَ الإحدادُ مِنْ تَمامِ هذا المَقصودِ وتَأكُّدِه ومَزيدِ الاعتناءِ به، حتى جُعلَتِ الزوجةُ أَولى بفعلِه على زوجِها مِنْ أبيها وابنِها وأخيها وسائرِ أقاربِها، وهذا مِنْ تَعظيمِ هذا العَقدِ وتَشريفِه وتأكُّدِ الفَرقِ بينَه وبينَ السِّفاحِ مِنْ جَميعِ أحكامِه، ولهذا شُرعَ في ابتِدائِه إعلانُه والإشهادُ عليه والضَّربُ بالدُّفِّ؛ لتَحقُّقِ المُضادَّةِ بينَه وبيَن السِّفاحِ، وشُرعَ في آخرِه وانتهائِه مِنْ العدَّةِ والإحدادِ ما لم يُشرعْ في غَيرِه (١).