يُفتِي بعَدمِ الوُقوعِ في الكُلِّ. هذا كُلُّه لَفظُ صاحِبِ «الذَّخيرَة».
وأمَّا الشَّافعيةُ: فقالَ ابنُ يُونسَ في «شَرح التَّنبيهِ»: وإنْ قالَ: «الطَّلاقُ والعِتاقُ لازِمٌ لي» ونَواهُ لَزمَه؛ لأنهُما يقَعانِ بالكِنايةِ معَ النِّيةِ، وهذا اللَّفظُ مُحتَملٌ، فجُعِلَ كِنايةً، وقالَ الرُّويانِيُّ:«الطَّلاقُ لازِمٌ لِي» صَريحٌ، وعَدَّ ذلكَ في صَرائِحِ الطَّلاقِ، ولعَلَّ وَجهَه غَلَبةُ استِعمالِه لإرادةِ الطَّلاقِ، وقالَ القَفَّالُ في فَتاوِيه: ليسَ بصَريحٍ ولا كِنايةٍ، حتَّى لا يقَعُ بهِ الطَّلاقُ وإنْ نَواهُ؛ لأنَّ الطَّلاقَ لا بُدَّ فيهِ مِنَ الإضافةِ إلى المرأةِ، ولَم يَتحقَّقْ. هذا لَفظُه.
وحَكى شَيخُنا هذا القولَ عَنْ بَعضِ أصحابِ أحمَدَ، فقَدْ صارَ الخِلافُ في هذا البابِ في المَذاهبِ الأربَعةِ بنَقلِ أصحابِها في كُتبِهم، ولهذا التَّفريقِ مأخَذٌ آخَرُ أحسَنُ مِنْ هذا الَّذي ذكَرَهُ الشَّارحُ، وهوَ أنَّ الطَّلاقَ لا يَصحُّ التِزامُه، وإنَّما يلْزَمُ التَّطليق، فإنَّ الطَّلاقَ هوَ الواقِعُ بالمرأةِ وهو اللَّازِمُ لها، وإنَّما الَّذي يَلتزِمُه الرَّجلُ هو التَّطليقُ، فالطَّلاقُ لازِمٌ لها إذا وقَعَ.
إذا تَبيَّنَ هذا فالتِزامُ التَّطليقِ لا يُوجِبُ وُقوعَ الطَّلاقِ، فإنهُ لو قالَ:«إنْ فَعلْتُ كذا فعَليَّ أنْ أُطلِّقَكِ، أو فللَّهِ عليَّ أنْ أُطلِّقَكِ، أو فتَطليقُكِ لازِمٌ لي، أو واجِبٌ عليَّ» وحنَثَ لم يقَعْ عليهِ الطَّلاقُ، فهكذا إذا قالَ:«إنْ فَعلْت كذا فالطَّلاقُ يَلزَمُني»؛ لأنهُ إنَّما التَزَمَ التَّطليقَ ولا يَقعُ بالتِزامِه، والمُوقِعونَ يَقولونَ: هَو قَدِ التَزمَ حُكمَ الطَّلاقِ، وهوَ خُروجُ البُضعِ مِنْ مِلكِه، وإنَّما يَلزمُه حُكمُه إذا وقَعَ، فصارَ هَذا الالتِزامُ مُستَلزِمًا لِوقوعِه، فقالَ لهُم