للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخَرُونَ: إنَّما يَلزمُه حُكمُه إذا أتَى بسَببِه وهوَ التَّطلِيقُ، فحِينئذٍ يَلزمُه حُكمُه، وهوَ لم يَأتِ بالتَّطليقِ مُنجِّزًا بلا رَيبٍ، وإنَّما أتَى به مُعلِّقًا لهُ، والتِزامُ التَّطليقِ بالتَّنجيزِ لا يَلزمُ، فكيفَ يَلزمُ بالتَّعليقِ؟ والمُنصِفُ المُتبصِّرُ لا يَخفَى عليهِ الصَّحيحُ، وباللهِ التَّوفيقُ.

فَصلٌ: ومِمَّنْ ذكَرَ الفَرْقَ بيْنَ الطَّلاقِ وبيْنَ الحلِفِ بالطَّلاقِ القاضي أبو الوَليدِ هِشامُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ هِشامٍ الأَزْدِيُّ القُرطُبيُّ في كِتابِه «مُفيد الحُكَّامِ فيما يعرضُ لهُم مِنْ نَوازِلِ الأحكامِ» فقالَ في كِتابِ الطَّلاقِ مِنْ ديوانِه وقَد ذكَرَ اختِلافَ أصحابِ مالِكٍ في الأيمانِ اللَّازِمةِ ثمَّ قالَ: ولا يَنبغِي أنْ تُتَلقَّى هذهِ المَسألةُ هكذا تَلقِّيًا تَقليديًّا إلَّا أنْ يشمَّها نُورُ الفَهمِ ويُوضِّحُها لسانُ البُرهانِ، وأنا أُشيرُ لكَ إلى نُكتةٍ تَسعَدُ بالغَرَضِ فيها إنْ شاءَ اللهُ تعالَى، مِنها:

الفَرقُ بيْنَ الطَّلاقِ إيقاعًا وبيْنَ اليَمينِ بالطَّلاقِ، وفي «المُدَوَّنة» كِتابانِ مَوضوعانِ: أحَدُهما لنَفسِ الطَّلاقِ، والثَّاني للأيمانِ بالطَّلاقِ، ووَراءَ هذا الفَنِّ فِقهٌ على الجُملةِ، وذلكَ أنَّ الطَّلاقَ صُورَتُه في الشَّرعِ: حَلٌّ وارِدٌ على عَقدٍ، واليَمينُ بالطَّلاقِ عَقدٌ، فلْيُفهَمْ هذا، وإذا كانَ عَقدًا لَم يَحصُلْ منهُ حَلٌّ إلَّا أنْ تَنقلَه مِنْ مَوضِعِ العقدِ إلى مَوضِعِ الحَلِّ نيَّةٌ؛ ليَخرُجَ بها اللَّفظُ مِنْ حَقيقتِه إلى كِنايتِه، فقَدْ نَجَمَتْ هذهِ المَسألةُ في أيَّامِ الحَجَّاجِ بعْدَ أنِ استَقلَّ الشَّرعُ بأصُولِه وفُروعِه وحَقائقِه ومَجازاتِه في أيمانِ البَيْعةِ، وليسَ في أيمانِ الطَّلاقِ إلَّا ما أذكُرُه لكَ، وذلكَ أنَّ الطَّلاقَ على ضَربَينِ: صَريحٌ وكِنايةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>