للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : وقَولُ قَتادةَ: «فإذَّا طلَّقَ في نفْسِه فليسَ بشيءٍ» هوَ قولُ جماعةِ أئمَّةِ الفَتوَى، واختَلفَ فيهِ قَولُ مالِكٍ، فذكَرَ عنهُ ابنُ الموازِ أنَّ مَنْ عقَدَ طلاقًا بقَلبِه ولَم يَلفظْ بهِ لِسانُه فإنَّه لا يَقعُ، وهذا الأظهَرُ مِنْ مَذهبِه، ورَوَى عنهُ أشهَبُ في «العتبيَّة» أنَّها تَطلقُ عَليهِ، وهذا قولُ ابنِ سِيرينَ وابنِ شِهابٍ، وقالَ ابنُ سِيرينَ: إذا طلَّق في نَفسِه أليسَ قدْ عَلِمَه اللهُ تعالَى؟! وحُجَّةُ الجَماعةِ قولُه: «إنَّ اللهَ تَجاوزَ عن أمَّتي ما حَدَّثَتْ بهِ أنفُسَها ما لَم تَعمَلْ أو تَتكَلَّمْ»، فجعَلَ ما لَم يَنطِقْ بهِ اللِّسانُ لَغوًا لا حُكمَ لهُ، حتَّى إذا تَكلَّمَ بهِ يَقعُ الجَزاءُ عليهِ ويَلزمُ المُتكلِّمَ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ، مِنهُم عَطاءٌ وجابِرُ بنُ زَيدٍ وسَعيدُ بنُ جُبيرٍ ويَحيَى بنُ أبي كَثيرٍ والشَّافعيُّ وإسحاقُ، ورُويَ أيضًا عنِ القاسِمِ وسالِمٍ والحسَنِ والشَّعبيِّ، وقالَ الزُّهريُّ: إذا عزَمَ على ذلكَ طَلُقَتْ، وقالَ ابنُ سِيرينَ فيمَنْ طلَّقَ في نَفسِه: أليسَ قدْ عَلِمَهُ اللهُ؟! (٢).

وقالَ الإمامُ الماوَرْديُّ : أمَّا الطَّلاقُ فلا يَقعُ إلَّا بالكَلامِ وما قامَ مَقامَهُ عِنْدَ العَجزِ عَنِ الكَلامِ، ولا يَقعُ بمُجرَّدِ النِّيةِ مِنْ غَيرِ كَلامٍ، فلو نَوَى طلاقَ امرأتِهِ لَم تُطَلَّقْ، وقالَ ابنُ سِيرينَ ومالِكٌ في إحدَى رِواياتِه: تُطلَّقُ بمُجرَّدِ النِّيةِ، حتَّى لو نَوى طلاقَ امرَأتِه طُلِّقَتْ؛ استِدلالًا بقَولِ النَّبيِّ


(١) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٧/ ٤١٨).
(٢) «المغني» (٧/ ٢٩٤)، ويُنظر: «كشاف القناع» (٥/ ٢٨١)، و «شرح منتهى الإردات» (٥/ ٣٨٢)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>