للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: «وإنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى»، قالَ: ولأنهُ لمَّا وقَعَتِ الفُرقةُ بنيَّةِ الرِّدةِ جازَ أنْ يَقعَ الطَّلاقُ.

ودَليلُنا: ما رُويَ عَنِ النَّبيِّ أنهُ قالَ: «إنَّ اللهَ تعالَى وضَعَ عَنْ أمَّتي ما حدَّثَتْ بهِ بنيَّةِ أنفُسِها»، والنِّيةُ مِنْ حَديثِ النَّفسِ، فاقتَضَى أنْ تكونَ مَوضُوعةً عنهُ، ولأنَّ الطَّلاقَ إزالةُ مِلكٍ، والمِلكُ لا يَزولُ بمُجرَّدِ النِّيةِ كالعِتقِ والهبَةِ، ولأنَّ الطَّلاقَ أحَدُ طَرفيِ النِّكاحِ، فلَم يَصحَّ بمُجرَّدِ النِّيةِ كالعَقدِ، وأمَّا قولُه : «إنَّما لكُلِّ امرِئٍ ما نَوَى» فالمُرادُ بهِ ثَوابُ قُرَبِه إلى فِعلِها، فلَم يَدخُلْ فيهِ نيَّةُ الطَّلاقِ، لَمْ يَفعَلْ، فأمَّا الرِّدةُ فلِأنَّ ثُبوتَ الرِّدةِ تُوقِعُ الفُرقةَ والرِّدةَ، فتكونُ بمُجرَّدِ الاعتِقادِ كالإيمانَ، وليسَ كالطَّلاقِ (١).

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ : لو طلَّقَ في نَفسِه وجزَمَ بذلكَ ولَم يَتكلَّمْ بهِ فإنهُ لا يقَعُ بهِ الطَّلاقُ عِنْدَ جُمهورِ العُلماءِ، وعِندَ مالِكٍ في إحدَى الرِّوايتَينِ يَقعُ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ القَيِّمِ : تَضمَّنتِ السُّنَنُ أنَّ ما لم يَنطِقْ بهِ اللِّسانُ مِنْ طلاقٍ أو عِتاقٍ أو يَمينٍ أو نَذرٍ ونحوِ ذلكَ عَفوٌ غَيرُ لازِمٍ بالنِّيةِ والقَصدِ، وهذا قولُ الجُمهورِ، وفي المَسألةِ قَولانِ آخَرانِ:

أحَدُهما: التَّوقُّفُ فيها، قالَ عَبدُ الرَّزاقِ عن مَعمَرٍ: سُئِلَ ابنُ سِيرينَ


(١) «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٥٠).
(٢) «مجموع الفتاوى» (١٠/ ٧٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>