للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأبو حَنيفةَ لا يرَى سبْقَ اللِّسانِ مانِعًا مِنْ وُقوعِ الطَّلاقِ، وعنهُ في سبْقِ اللِّسانِ في العِتقِ رِوايتَانِ، وقرَّرَ أصحابُه بأنَّ المرأةَ تَملكُ بُضعَها لسَببٍ يَستَوي فيهِ القَصدُ وعَدمُ القَصدِ، كالسَّكرانِ والمُكرَهِ والهازِلِ، وكالرَّضاعِ بالاتِّفاقِ؛ فزَوالُ البُضعِ لا يَختلفُ في سَببِه القَصدُ وعَدمُ القَصدِ، بخِلافِ العِتقِ؛ فإنَّ السَّببَ الَّذي يَملِكُ بهِ نفْسَه يَختلفُ فيهِ القَصدُ وعدَمُه، وروَى أبو يُوسفَ عن أبي حَنيفةَ التَّسويةَ بيْنَهما، ثمَّ اختَلفَ أصحابُه، فقالَتْ طائِفةٌ: هما سَواءٌ في الوُقوعِ، وقالَتْ طائِفةٌ: بل هُما سَواءٌ في عَدمِ الوُقوعِ.
المَقصودُ أنَّ سبْقَ اللِّسانِ إلى الطَّلاقِ مِنْ غَيرِ قَصدٍ لهُ مانعٌ مِنْ وُقوعِه عِنْدَ الجُمهورِ، والغَضبانُ إذا عَلِمَ مِنْ نَفسِه أنَّ لسانَه سبَقَه بالطَّلاقِ مِنْ غَيرِ قَصدٍ جازَ لهُ الإقامةُ على نكاحِهِ، ويُدَيَّنُ في الفَتوى، وأمَّا قَبولُه في الحُكمِ فيُخرَّجُ على الخِلافِ، والأظهَرُ أنَّه إنْ قامَتْ قَرينةٌ ظاهِرةٌ تَدلُّ على صحَّةِ قَولِه قُبِلَ في الحُكمِ، والغضَبُ الشَّديدُ مِنْ أقوَى القَرائِن، خاصَّةً أنَّ كثيرًا ممَّن يُطلِّقُ في شدَّةِ الغضَبِ يَحلِفُ باللهِ جهْدَ يَمينِه أنَّه لَم يَقصِدِ الطَّلاقَ، وإنَّما سَبَقَ لِسانه، وحِينئذٍ فالجُمهورُ لا يُوقِعونَ عليهِ الطَّلاقَ، كما صرَّحَ بهِ أصحابُ أحمَدَ والشَّافعيِّ ومالِكٍ، وفي قَبولِه في القَضاءِ ثلاثةُ أقوالٍ، أصحُّها أنَّه إنْ قامَتْ قَرينةٌ ظاهِرةٌ على صِحَّةِ قَولِه قُبِلَ، وإلَّا فلا.
فَصلٌ: وممَّا يُبيِّنُ أنَّ الغَضبانِ قد يَتكلَّمُ في الغَضبِ بما لا يُريدُه ما رَواهُ مُسلمٌ في «صَحيحِه» مِنْ حَديثِ أبي الزُّبيرِ أنَّه سَمعَ جابِرَ بنَ عَبدِ اللهِ يَقولُ: سَمعْتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: «إنَّما أنا بَشرٌ، وإنِّي اشتَرطْتُ على رَبِّي ﷿: أيُّ عَبدٍ مِنْ المُسلمِينَ شَتمْتُه أو سَبَبتُه أنْ يكونَ ذلكَ لهُ زَكاةً وأجرًا»، وفي «مُسنَد الإمامِ أحمدَ» مِنْ حَديثِ مَسروقٍ عَنْ عائِشةَ قالَتْ: دخَلَ على النَّبيِّ رَجلانِ، فأغلَظَ لهُما وسَبَّهُما، قالَتْ: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ لمَن أصابَ منكَ خيرًا ما أصابَ هذانِ منكَ خَيرًا، قالَتْ: فقالَ: «أوَمَا عَلمْتِ ما عاهَدْتُ عَليهِ رَبِّي ﷿؟ قُلتُ: اللَّهمَّ أيُّما مُؤمِنٍ سَبَبتُه أو جَلدْتُه أو لَعنْتُه فاجْعَلْها لهُ مَغفِرةً وعافِيةً». =

<<  <  ج: ص:  >  >>