إنْ قيلَ: الغَضبانُ مُكلَّفٌ، وهذا غَيرُ مُكلَّفٍ؛ لأنَّ القلَمَ مَرفوعٌ عنهُ.قيلَ: نَعمْ، الأمرُ كذلكَ، ولكنْ لا يَلزمَ مِنْ كَونِه مُكلَّفًا أنْ يَترتَّبَ الحُكمُ على مُجرَّدِ لفْظِه كما تَقدَّمَ، كيفَ والمُكرَهُ مُكلَّفٌ ولا يَصحُّ طلاقُه، والسَّكرانُ مُكلَّفٌ، والمريضُ مُكلَّفُ؟! فلا يَلزمُ مِنْ كَونِ العَبدِ مُكلَّفًا أنْ لا يَعرِضَ له حالٌ يَمنعُ اعتبارَ أقوالِه ونَقْضَ أفعالِه.الوَجهُ الرَّابعُ والعِشرونَ: أنَّ غايةَ التَّلفُّظِ بالطَّلاقِ أنْ يَكونَ جُزءَ سَببٍ، والحُكمُ لا يَتمُّ إلَّا بعْدَ وُجودِ سبَبِه وانتفاءِ مانِعِه، وليسَ مُجرَّدُ التَّلفظِ سَببًا تامًّا باتِّفاقِ الأئمَّةِ كما تَقدَّمَ.وحِينئذٍ، فالقَصدُ والعِلمُ والتَّكليفُ إمَّا أنْ تكونَ بقيَّةَ أجزاءِ السَّببِ، أو تكونَ شُروطًا في اقتِضائِه، أو يكونَ عَدمُها مانِعًا مِنْ تأثيرِه، وعلى التَّقاديرِ الثَّلاثةِ فلا يُؤثِّرُ التكلُّمُ بالطَّلاقِ بدونِها.وليسَ معَ مَنْ أوقَعَ طلاقَ الغَضبانِ والسَّكرانِ والمكرَهِ ومَن جرَى على لسانهِ بغَيرِ قصدٍ منهُ إلَّا مُجرَّدُ السَّببِ أو جُزؤُه، بدُونِ شَرطِه وانتفاءِ مانِعِه، وذلكَ غيرُ كافٍ في ثُبوتِ الحُكمِ، واللهُ أعلمُ.الوجهُ الخامسُ والعشرونَ: أنَّه لو سبَقَ لسانُه بالطَّلاقِ ولم يُردْه دُيِّنَ فيما بيْنَه وبيْنَ اللهِ تعالَى، ويُقبلُ منهُ ذلكَ في الحُكمِ في إحدى الرِّوايتَينِ عَنْ أحمدَ، إلَّا أنْ تُكذِّبَه قَرينةٌ، والرِّوايةُ الأُخرَى: يُدَيَّنُ ولا يُقبَلُ في الحُكمِ، وكذلكَ قالَ أصحابُ الشَّافعيِّ: إذا سبَقَ الطَّلاقُ إلى لسانِه بغَيرِ قصْدٍ فهو لَغوٌ، ولكنْ لا تُقبلُ دَعوى سبْقِ اللِّسانِ إلَّا إذا ظَهرَتْ قَرينةٌ تَدلُّ عليهِ، فقَبِلُوا منهُ في الباطِنِ دُونَ الحُكمِ إلَّا بقَرينةٍ.وكذلكَ قالَ أصحابُ مالكٍ: مَنْ سبَقَ لسانُه إلى الطَّلاقِ لم يَقعْ عليهِ الطَّلاقُ، قالُوا: ويَقبلُ في الفَتوى. =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute