لو كانَ النَّبيُّ ﷺ مُريدًا لَمَا دعَا بهِ في الغَضبِ، لَمَا شرَطَ على ربِّهِ وسألَ أنْ يَفعَلَ بالمَدعوِّ عليهِ ضدَّ ذلكَ؛ إذْ مِنَ المُمتَنعِ اجتِماعُ إرادةِ الضِّدَّينِ، وقَد صرَّحَ بإرادةِ أحَدِهما مُشتَرطًا له على رَبِّه، فدَلَّ على عَدمِ إرادتِه لِمَا دعَا بهِ في حالِ الغضَبِ.هذا وهوَ ﷺ مَعصومُ الغضَبِ كما هوَ مَعصومُ الرِّضَا، وهو مالِكٌ لفْظَه بتَصرُّفِه، فكيفَ بمَن لَم يُعصَمْ في غضَبِه وتَمليكِه، ويَتصرَّفُ فيهِ غَضبُه ويَتلاعَبُ الشَّيطانُ به فيه؟!وإذا كانَ الغَضبانُ يَتكلَّمُ بما لا يُريدُه ولا يُريدُ مَضمونَه فهو بمَنزلةِ المُكرَهِ الَّذي يُلجَأُ إلى الكَلامِ أو يَتكلَّمِ بهِ باختيارِه ولا يُريدُ مَضمُونَه، واللهُ أعلَمُ.فإنْ قيلَ: ما ذَكَرْتم مُعارَضٌ بما يَدلُّ على وُقوعِ الطَّلاقِ؛ فإنَّ الغَضبانَ أتَى بالسَّببِ اختيارًا، وأرادَ في حالِ الغضَبِ تَرتُّبَ أثَرِه عليهِ، ولا يَضرُّ عَدمُ إرادتِه لهُ في حالِ رِضاهُ؛ إذِ الاعتبارُ بالإرادةِ إنَّما هو حالَ التَّلفُّظِ، بخلافِ المُكرَهِ؛ فإنَّه مَحمولٌ على التكلُّمِ بالسَّببِ، غيرُ مُريدٍ لتَرتُّبِ أثَرِه عليهِ، وبخلافِ السَّكرانِ المَغلوبِ على عَقلهِ؛ فإنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ، والغَضبانُ مُكلَّفٌ مُختارٌ، فلا وجهَ لإلغاءِ كلامِهِ.فالجَوابُ أنْ يُقالَ: إنْ أُريدَ ب «الاختيار» رضاهُ بهِ وإيثارُه له فليسَ بمُختارٍ، وإنْ أردْتُم أنَّه وقَعَ بِمَشيئتِه وإرادتِه الَّتي هو غَيرُ راضٍ بها ولا بأثَرِها فهذا بمُجرَّدِه لا يُوجِبُ تَرتُّبَ الأثرِ؛ فإنَّ هذا «الاختيار» ثابِتٌ للمُكرَهِ والسَّكرانِ؛ فإنَّا لا نَشتَرطُ في السَّكرانِ أنْ لا يُفرِّقَ بيْنَ الأرضِ والسَّماءِ، بلِ المُشتَرطُ في عَدمِ تَرتُّبِ أثرِ أقوالِه أنَّه يَهذِي ويَخلطُ في كَلامِه، وكذلكَ المَحمومُ والمَريضُ. =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute