للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الهازِلِ المُتلفِّظِ بالطَّلاقِ في حالِ عقْلِه وإنْ لَم يُردْهُ بقَلبِه، وقدْ ألغَى طلاقَ الهازِلِ بعضُ الفُقهاءِ، وهو إحدى الرِّوايتَينِ عَنْ الإمامِ أحمَدَ، حكاها أبو بَكرٍ عَبدُ العَزيزِ وغَيرُه، وبه يقولُ بعضُ أصحابِ مالِكٍ إذا قامَ دَليلُ الهزلِ، فلَم يَلزَمْه عِتقٌ ولا نِكاحٌ ولا طَلاقٌ، ولا رَيبَ أنَّ الغَضبانَ أَولَى بعَدمِ وُقوعِ طلاقِه مِنْ هذا.
لوجهُ السَّادسَ عشَرَ: أنَّ جماعةً مِنْ أصحابِنا لم يَشتَرطُوا في المَجنونِ والمُبرسَم أنْ لا يكونَ ذاكرًا لطلاقِه، وإنْ كانَ ظاهِرُ نصِّ أحمدَ أنَّه متَى ذكَرَ الطَّلاقَ لَزِمَه؛ فإنَّه قالَ في روايةِ أبي طالِبٍ في المَجنونِ يُطلِّقُ فقيلَ لهُ لمَّا أفاقَ: «إنَّكَ طلَّقْتَ امرأتَكَ، فقالَ: «أنا ذاكِرٌ أنِّي طلَّقْتُ ولم يكنْ عَقلِي معي»، فقالَ: إذا كانَ يَذكرُ أنهُ طلَّقُ فقَد طَلُقَتْ، قالَ أبو مُحمدٍ المَقدسيُّ: وهذا هوَ المَنقولُ عَنْ الإمامِ أحمَدَ فيمَن كانَ جُنونُه بذَهابِ مَعرفتِه بالكُليةِ وبُطلانِ حواسِّه، فأمَّا مَنْ كانَ جُنونُه لنَشافٍ أو كانَ مُبرسَمًا فإنَّ ذلكَ يُسقِطُ حُكمَ تَصرُّفِه، مع أنَّ مَعرفتَه غيرُ ذاهِبةٍ بالكُليةِ، فلا يَضرُّه ذكْرُ الطَّلاقِ إنْ شاءَ اللهُ. انتَهى كلامُه.
ومَعلومٌ أنَّ الغَضبانَ المُمتلِئَ أسوأُ حالًا مِمَّنْ جُنونُه مِنْ نَشافٍ أو بَرسامٍ، وأقلُّ أحوالِهِ أنْ يكونَ مِثلَه.
يُوضِّحُه الوجهُ السابعَ عشَرَ: وهو أنَّ المُوسوِسَ لا يَقعُ طلاقُه، صرَّحَ بهِ أصحابُ أبي حَنيفةَ وغَيرُهم؛ وما ذاكَ إلَّا لعَدمِ صحَّةِ العَقلِ والإرادةِ منهُ، فهكذا هذا.
الوَجهُ الثَّامنَ عشَرَ: أنَّه لمْ يقُلْ أحَدٌ: إنَّ مُجرَّدَ التكلُّمِ بلَفظِ الطَّلاقِ مُوجِبٌ لوُقوعِه على أيِّ حالٍ كانَ، بل لا بُدَّ مِنْ أمرٍ آخَرَ وراءَ التكلُّمِ باللَّفظِ.
فطائفةٌ اشتَرطَتْ أنْ يأتيَ بهِ في حالِ التَّكليفِ فقطْ، سواءٌ قصَدَه أو جرَىَ على لسانِه مِنْ غَيرِ قَصدٍ، سواءٌ أُكرِهَ عليهِ أو أتَى بهِ اختيارًا، وهذا مَذهبُ مَنْ يُوقِعُ طلاقَ المُكرَهِ والطَّلاقَ الَّذي يَجرِي على لسانِ العبدِ مِنْ غيرِ قَصدٍ مِنهُ، وهو المَنصوصُ عَنْ أبي حَنيفةَ في المَوضِعَينِ.
وطائِفةٌ اشتَرطَتْ معَ ذلكَ أنْ يأتيَ باللَّفظِ مُختارًا قاصدًا له، وهو قولُ الجُمهورِ الَّذين لا يُنفِذُونَ طلاقَ المُكرَهِ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>