فإنْ قيلَ: فهلْ يُحجَرُ عليهِ في هذهِ الحالِ كما يُحجَرُ على المَجنونِ؟يلَ: لا، والفَرقُ بيْنَهما أنَّ هذهِ الحالَ لا تَدومُ، فهو كالَّذي يُجَنُّ أحيانًا نادرًا ثمَّ يُفيقُ، فإنَّه لا يُحجَرُ عليهِ، نعَمْ، لو صدَرَ منهُ في تلكَ الحالِ قولٌ عَنْ غَيرِ قَصدٍ منهُ كانَ مِثلَ القَولِ الصَّادرِ عَنِ المَجنونِ في عَدمِ تَرتُّبِ أثَرِه عليهِ.ولا رَيبَ أنَّه قَدْ يَحصلُ للغَضبانِ إغماءٌ وغَشْيٌ، وهو في هذهِ الحالِ غَيرُ مُكلَّفٍ قَطعًا، كما يَحصلُ ذلكَ للمَريضِ، فيُزيلُ تَكليفَهُ حالَ الإغماءِ، حتَّى إنَّ بعضَ الفُقهاءِ لا يُوجِبُ عليهِ قَضاءَ الصَّلاةِ في هذهِ الحالِ؛ إلحاقًا بالمَجنونِ، كما يَقولُه الشَّافعيُّ، وأحمدُ يُوجِبُ عليهِ القَضاءَ؛ إلحاقًا لهُ بالنَّائمِ، وأبو حَنيفةَ يُفرِّقُ بيْنَ الطَّويلِ الزَّائدِ على اليَومِ واللَّيلةِ، فيُلحِقُه بالجنونِ، وبيْنَ القَصيرِ الَّذي هوَ دُونَ ذلكَ، فيَلحِقُه بالنَّومِ.وقدْ يُنْكِرُ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ أنَّ الغضَبَ يُزيلُ العَقلَ، ويَبلُغُ بصاحبِه إلى هذهِ الحالِ، فإنَّه لا يَعرفُ مِنَ الغضَبِ إلَّا ما يَجِدُ مِنْ نَفْسِه، وهو لم يَعلمْ غَضبًا انتَهى إلى هذهِ الحالِ.وهذا غلَطٌ؛ فإنَّ النَّاسَ مُتفاوِتونَ في الغضَبِ تَفاوتًا عَظيمًا، فمِنهُ ما هو كالنَّشوَةِ، ومِنهُ ما هوَ كالسُّكرِ، ومنهُ ما هو كالجُنونِ، ومنهُ ما هو سَريعُ الحُصولِ سَريعُ الزَّوالِ، وعَكسُه، ومِنهُ سَريعُ الحُصولِ بَطيءُ الزَّوالِ، وعَكسُه، كما قسَّمَه النَّبيُّ ﷺ إلى هذهِ الأقسامِ.وقِوَى النَّاسِ مُتفاوِتةٌ تَفاوتًا عَظيمًا في ملكِ تَقواهُم عِنْدَ الغَضبِ والطمَعِ والحُزنِ والخَوفِ والشَّهوَةِ، فمِنهُم مَنْ يَملِكُ ذلكَ ويتصرَّفُ فيهِ، ومِنهُم مَنْ يَملِكُه ذلكَ ويَتصرَّفُ فيهِ.الوَجهُ الخامِسَ عشَرَ: أنَّ الغَضبانَ الَّذي قدِ انغَلقَ عليهِ القَصدُ والرَّأيُ في الغَضبِ، وقد صارَ إلى الجُنونِ العارِضِ أقرَبَ منهُ إلى العَقلِ الثَّابِتِ أَولَى بعَدمِ وُقوعِ طلاقِه مِنَ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute