عُقوبَةً لهُم لمَّا عَلِمُوا أنَّهُ حَرامٌ وتَتايَعوا فيهِ، ولا رَيبَ أنَّ هذا سائِغٌ للأئمَّةِ أنْ يُلزِمُوا النَّاسَ بما ضَيَّقُوا بهِ على أنفُسِهم ولم يَقبَلُوا فيهِ رُخصةَ اللهِ ﷿ وتَسهيلَهُ، بلِ اختارُوا الشِّدَّةَ والعُسرَ، فكيفَ بأميرِ المُؤمنِينَ عُمرَ بنِ الخطَّابِ ﵁ وكَمالِ نظَرِه للأمَّةِ وتأديبِهِ لهُم، ولكنَّ العُقوبةَ تَختلِفُ باختِلافِ الأزمِنةِ والأشخاصِ، والتَّمكُّنِ مِنْ العِلمِ بتَحريمِ الفِعلِ المُعاقَبِ عليهِ وخَفائِهِ، وأميرُ المُؤمنِينَ عُمرُ ﵁ لَم يَقُلْ لهُم: إنَّ هذا عَنْ رَسولِ اللهِ ﷺ، وإنَّما هوَ رأيٌ رآهُ مَصلحةً للأمَّةِ يَكفُّهم بها عنِ التَّسارُعِ إلى إيقاعِ الثَّلاثِ، ولهذا قالَ: «فلو أنَّا أمضَيناهُ عَليهمْ»، وفي لَفظٍ آخَرَ: «فأَجيزُوهنَّ عَليهِم»، أفَلا يُرَى أنَّ هذا رأيٌ منهُ رأهُ للمَصلحةِ، لا إخبارٌ عَنْ رَسولِ اللهِ ﷺ، ولمَّا عَلِمَ ﵁ أنَّ تِلكَ الأَناةَ والرُّخصةَ نِعمةٌ مِنَ اللهِ على المُطلِّقِ ورَحمةٌ بهِ وإحسانٌ إليهِ، وأنَّهُ قابَلَها بضِدِّها ولَم يَقبلْ رُخصةَ اللهِ وما جعَلَهُ لهُ مِنَ الأَناةِ عاقَبَه بأنْ حالَ بَينَهُ وبَينَها، وألزَمَه ما ألزَمَه مِنَ الشِّدةِ والاستِعجالِ، وهذا مُوافِقٌ لِقَواعدِ الشَّريعةِ، بلْ هوَ مُوافِقٌ لحِكمةِ اللهِ في خَلْقِه قَدَرًا وشَرْعًا، فإنَّ النَّاسَ إذا تَعدَّوا حُدودَهُ ولَم يَقفُوا عِندَها ضيَّقَ عَليهِم ما جعَلَه لِمَنِ اتَّقاهُ مِنَ المَخرَجِ، وقدْ أشارَ إلى هذا المَعنَى بعَينِه مَنْ قالَ مِنَ الصَّحابةِ للمُطلِّقِ ثلاثًا: «إنَّكَ لوِ اتَّقَيتَ اللهَ لَجَعلَ لكَ مَخرَجًا»، كما قالَهُ ابنُ مَسعُودٍ وابنُ عبَّاسٍ، فهذا نَظَرُ أميرِ المُؤمنِينَ ومَن مَعهُ مِنَ الصَّحابةِ، لا أنَّهُ ﵁ غيَّرَ أحكامَ اللهِ وجعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute