للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلالَها حَرامًا، فهذا غايَةُ التَّوفيقِ بَينَ النُّصوصِ وفِعْلِ أميرِ المُؤمنِينَ ومَن معَهُ، وأنتُم لَم يُمكِنْكم ذلكَ إلَّا بإلغاءِ أحَدِ الجانِبَينِ، فهذا نِهايةُ أقدامِ الفَريقَينِ في هذا المَقامِ الضَّنْكِ والمُعتَرَكِ الصَّعبِ، وباللهِ التَّوفيقُ (١).


(١) «زاد المعاد» (٥/ ٢٦٠، ٢٧١)، ويُنظر: «الصَّواعِقُ المُرسَلَةُ» (٢/ ٦١٩، ٦٢٥)، وقالَ صِدِّيق حَسَن خَان في «الرَّوضَة النَّديَّة»:
(الرَّاجِحُ عَدمُ الوقُوعِ)؛ قالَ الماتِنُ: ذهَبَ الجُمهورُ إلى أنَّهُ يقَعُ، وأنَّ الطَّلاقَ يَتبعُ الطَّلاقَ، وذهبَ جماعةٌ مِنْ أهلِ العلمِ إلى أنَّ الطَّلاقَ لا يَتبعُ الطَّلاقَ؛ بل يَقعُ واحدةً، وقدْ حُكيَ ذلكَ عَنْ أبي مُوسَى وابنِ عبَّاسٍ وطاوُسٍ وعطاءٍ وجابرِ بنِ زَيدٍ وأحمدَ بنِ عيسَى وعَبدِ اللهِ بنِ مُوسَى، ورواية عَنْ عليٍّ ورواية عَنْ زيدِ بنِ عليٍّ، وإليهِ ذهبَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ والحافظُ ابنُ القيِّمِ، وقَد حكاهُ ابنُ مُغيثٍ في كتابِ «الوَثائِق» عَنْ عليٍّ وابنِ مَسعودٍ وعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ والزُّبيرِ، وحكاهُ أيضًا عَنْ جماعةٍ مِنْ مَشايخِ قُرطُبةَ، ونقلَهُ ابنُ المُنذِرِ عَنْ أصحابِ ابنِ عبَّاسٍ.
وقَد جمَعَ في ذلكَ شَيخُنا العلَّامةُ الشَّوكانِيُّ رسالةً بسَطَ فيها بعضَ البَسْطِ، وقد امتُحنَ بهذِهِ المسألةِ جَماعةٌ مِنَ العُلماءِ، منهُم شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ وجَماعةٌ مِنْ بعْدِه، والحقُّ بأيديهِم، ولكنْ لمَّا كانَ مَذهبُ الأربعةِ الأئمَّةِ أنَّ الطَّلاقَ يَتبعُ الطَّلاقَ؛ كانَ المُخالِفُ لذلكَ عندَ عامَّةِ أتباعِهِم وكثيرٍ مِنْ خاصَّتِهم كالمُخالِفِ للإجماعِ.
وقدْ ظهَرَ ممَّا سُقناهُ هَهُنا مِنَ الأدلَّةِ والنُّقولِ أنَّ الطَّلاقَ ثلاثًا بلَفظٍ واحدٍ -أو ألفاظٍ في مَجلسٍ واحدٍ مِنْ دُونِ تَخلُّلِ رَجعةٍ- يقَعُ واحدةً، وإنْ كانَ بِدعيًّا؛ فتَكونُ هذهِ الصُّورةُ مِنْ صُورِ الطَّلاقِ البدعيِّ واقعةً مِنْ إثمِ الفاعِلِ دُونَ سائرِ صُوَرِ البدعيِّ؛ فلا يقَعُ الطَّلاقُ فيها؛ لِمَا قَدَّمْنا تَحقيقَه.
وأطالَ ابنُ القيِّمِ في تَخريجِ أحاديثِ البابِ والكَلامِ عليها، وأثْبتَهُ بالكتابِ والسُّنَّةِ واللُّغةِ والعُرفِ وعَمَلِ أكثرِ الصَّحابةِ، ثمَّ قالَ بعْدَ ذلكَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>