يَفعلُونَهُ ولا يَعلَمونَهُ ولا يَعلَمهُ هوَ، والوَحيُ يَنْزِلُ عَليهِ وهوَ يُقرِّهمْ عَليهِ، فهَبْ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ لم يكنْ يَعلَمُه، وكانَ الصَّحابةُ يَعلَمونَهُ ويُبدِّلونَ دِينَه وشَرعَهُ، واللهُ يَعلَمُ ذلكَ ولا يُوحِيهِ إلى رَسولِهِ ولا يُعلِمُه بهِ، ثمَّ يَتوفَّى اللهُ رَسولَهُ ﷺ والأمْرُ على ذلكَ، فيَستَمرُّ هذا الضَّلالُ العَظيمُ والخَطأُ المُبِينُ عِندَكم مُدَّةَ خِلافةِ الصِّديقِ كلِّها، يُعمَلُ بهِ ولا يُغيَّرُ إلى أنْ فارَقَ الصِّديقُ الدُّنيا، واستَمرَّ الخَطأُ والضَّلالُ المُركَّبُ صَدرًا مِنْ خِلافةِ عُمَرَ، حتَّى رأَى بعْدَ ذلكَ برَأيِهِ أنْ يُلزِمَ النَّاسَ بالصَّوابِ، فهلْ في الجَهلِ بالصَّحابةِ وما كانُوا عليهِ في عَهدِ نَبيِّهم وخُلفائِهِ أقبحُ مِنْ هذا؟ وتاللهِ لو كانَ جعْلُ الثَّلاثِ واحدَةً خطأً مَحضًا لَكانَ أسهلَ مِنَ هذا الخطأِ الَّذي ارتَكبتُموهُ والتَّأويلِ الَّذي تَأوَّلتُموهُ، ولو تَركْتُم المسألةَ بهَيأتِها لَكانَ أقوَى لشَأنِها مِنْ هذهِ الأَدلَّةِ والأجوبةِ.
قالُوا: وليسَ التَّحاكُمُ في هذِهِ المَسألةِ إلى مُقلِّدٍ مُتعصِّبٍ ولا هيَّابٍ للجُمهورِ، ولا مُستَوحِشٍ مِنَ التَّفرُّدِ إذا كانَ الصَّوابُ في جانِبِه، وإنَّما التَّحاكُمُ فيها إلى راسِخٍ في العِلمِ، قدْ طالَ فيهِ باعُهُ، ورَحُبَ بِنَيلهِ ذِراعُهُ، وفرَّقَ بيْنَ الشُّبهَةِ والدَّليلِ، وتَلقَّى الأحكامَ مِنْ نَفسِ مِشكاةِ الرَّسولِ، وعرَفَ المَراتِبَ، وقامَ فيها بالواجِبِ، وباشَرَ قَلبُهُ أسرارَ الشَّريعةِ وحِكَمَها الباهِرةَ، وما تَضمَّنتْهُ مِنَ المَصالِحِ الباطِنةِ والظَّاهرةِ، وخاضَ في مِثلِ هذهِ المَضايِقِ لُجَجَها، واستَوفَى مِنَ الجانبَينِ حُجَجَها، واللهُ المُستعانُ وعليهِ التُّكلانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute