للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنَّكَ لم تَتَّقِ اللهَ فلَم يَجعَلْ لكَ فرَجًا ومَخرَجًا»، وكذلكَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ يَقولُ: «إذا فَعلْتَ ذلكَ فَقدْ عَصَيتَ اللهَ وبانَتْ مِنْكَ امرَأتُكَ»، ومِثلُ ذلكَ كَثيرٌ في كَلامِهم، يَذمُّونَ فاعِلَ ذلكَ معَ إيقاعِهِم بهِ الثَّلاثَ، وهذا يَقتَضي أنَّ فاعِلَ ذلكَ كانَ مَذمُومًا عِنْدَهُمْ معَ إيقاعِ الثَّلاثِ بهِ.

وقدْ كانَ للصَّحابةِ اجتِهادٌ في أنواعٍ مِنَ العُقوباتِ، وفي المَنعِ مِنْ بَعضِ المُباحاتِ؛ لِمَا يَرَونَهُ مِنْ مَصلحةِ الأمَّةِ، كاجتهادِ عُمرَ وغَيرِه في حَدِّ الشَّاربِ حتَّى حَدُّوهُ ثَمانِينَ، وحتَّى كانَ عُمرُ يَنفيهِ ويَحلِقُ رَأسَهُ، وكما كانَ عُمرُ يَنهَى عَنْ مُتعةِ الحَجِّ؛ ليَعتَمرَ النَّاسُ في غَيرِ أشهُرِ الحَجِّ، فمَنعَهُم مِنَ المُباحِ لمَّا رَآهُم يَتركونَ بهِ ما هوَ مَشرُوعٌ للأمَّةِ، ولِمَا رَأى في ذلكَ مِنْ حَضِّ النَّاسِ على الطَّاعةِ بهِ، ويَمنَعُهم مِنَ المُباحِ ليَفعلُوا خيرًا أو لِئلَّا يَفعلُوا شَرًّا، فلمَّا كَثُرَ مِنهُم إيقاعُ الثَّلاثِ جُملَةً ورَأى أنَّهم لا يَنْتَهُونَ عَنْ ذلكَ إلَّا بإلزامِهِم بها، ومنعِه مِنَ المَرأةِ إذا قالَ ذلكَ، فمَنعَهُم مِنْ نِكاحِها بعْدَ الثَّلاثِ جُملةً ومُفرَّقًا؛ لِئلَّا يَفعلُوا الشَّرَّ الَّذي كانُوا يَفعلونَهُ، كما مَنعَهم مِنْ مُتعةِ الحَجِّ؛ ليَفعلُوا الخيرَ -وهُو العُمرةُ- في سائِرِ السَّنَةِ، وكما حرَّمَ على النَّاكِحِ في العِدَّةِ أنْ يَتزوَّجَ المَنكوحةَ أبدًا؛ ليَمنَعَهم بذلكَ مِنْ الشَّرِّ الَّذي فَعَلوهُ، وهوَ التَّزوُّجُ في العدَّةِ، وكما مَنَعَ شارِبَ الخَمرِ أنْ يُقيمَ ببَلدِه؛ ليَمنعَه بذلكَ مِنْ شُربِ الخَمرِ.

وهذهِ العُقوباتُ لها أصْلٌ في الشَّرعِ؛ فإنَّ النَّبيَّ نَفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>