مَقصُودُه، كما أنَّ المُكرِهَ الظَّالمَ لمَّا كانَ قَصدُهُ وُقوعَ الطَّلاقِ بالمُكرَهِ لم يَقعِ الطَّلاقُ مِنْ المُكرَهِ …
فإنْ قيلَ: فعُمَرُ بنُ الخطَّابِ ألزَمَ النَّاسَ بوُقوعِ الثَّلاثِ جُملةً كما ذكَرْتُم، وعُمَرُ لم يَكنْ ليُخالِفَ سُنَّةَ رَسولِ اللهِ ﷺ، فعُلِمَ أنَّهُ اطَّلعَ على دَليلٍ شَرعيٍّ يُوجِبُ ذلكَ، وقدْ وافَقَهُ عليٌّ وابنُ مَسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ وابنُ عُمَرَ وأبو هُرَيرةَ وعَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو، فهؤلاءِ أفتَوا فيمَن أوقَعَ الثَّلاثَ جُملةً أنْ تقَعَ، واشتَهرَ ذلكَ عِنْدَ عامَّةِ العُلماءِ حتَّى ظنَّهُ مَنْ ظنَّهُ إجماعًا، وصارَ نَقيضُ ذلكَ يُحكَى عَنْ أهلِ البدَعِ كالرَّافِضةِ، ولهذا لمَّا ذُكِرَ هذا القَولُ عَنِ الرَّافضةِ لأحمَدَ قالَ: «قَولُ سوءٍ» أو نَحوَ ذلكَ.
قيلَ: أمَّا المَنقولُ عَنْ عُمَرَ ﵁ فظاهِرُهُ أنَّهُ عاقَبَ النَّاسَ بإيقاعِها جُملَةً لمَّا أكثَرُوا مِنْ فعْلِ ما نُهُوا عَنهُ، ولهذا قالَ: «إنَّ النَّاسَ قَدْ أسرَعُوا في أمْرٍ كانَتْ لَهمْ فِيهِ أناةٌ، فلو أنَّا أمضَيناهُ عَليهِمْ، فأمْضَاهُ عَليهِم».
والَّذينَ أفتَوا بذلكَ مِنَ الصَّحابةِ رَأَوْا رَأيَ عُمرَ في ذلكَ، وألفاظُهُم تَدلُّ على أنَّهمْ فَعَلُوا ذلكَ عُقوبَةً لِمَنْ فعَلَ ما نُهِيَ عَنهُ، كقَولِ ابنِ مَسعُودٍ لمَّا سُئِلَ عمَّنْ طلَّقَ ثلاثًا: «أيُّهَا النَّاسُ مَنْ أتَى الأمْرَ علَى وجْهِهِ فقدْ تَبيَّنَ لهُ، وإلَّا فَواللهِ مَا لنَا طاقَةٌ بكُلِّ مَا تُحدِثونَ». وفي لَفظٍ: «مَنْ أتَى بِدعَةً ألزَمْناهُ بِدعتَهُ»، فعُلِمَ أنَّ هذا كانَ عِندَهُ ممَّا نُهُوا عَنهُ، فألزَمَهم بِهِ، وكذلكَ ابنُ عبَّاسٍ قالَ لِمَنْ طلَّقَ ثلاثًا: «إنَّكَ لوِ اتَّقَيتَ اللهَ لَجعَلَ لكَ فرَجًا ومَخرَجًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute