ثمَّ قالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قدِ استَعجلُوا في أمْرٍ كانَتْ لهُم فيهِ أَناةٌ، فلو أنَّا أَمضَيناهُ عَليهِم، فأمضاهُ عَليهِم».
وأمَّا قَولُ القائِلِ: «إنَّ ابنَ عبَّاسٍ أفْتَى بخِلافِه»؛ فقدِ اختَلفَتْ فُتيا ابنِ عبَّاسٍ في ذلكَ، فنُقِلَ عنهُ إيقاعُ الثَّلاثِ بكَلمةٍ واحدةٍ، ورُويَ عنهُ أنَّه لا تَقَعُ، كما ذكَرَ ذلكَ أبو داودَ في سُنَنِه وغَيرُه.
والمَقصودُ هنا أنَّه ليسَ في السُّنَّةِ قطُّ أنَّ أحدًا طلَّقَ ثلاثًا جُملةً على عَهدِ النَّبيِّ ﷺ فأوقَعَها بهِ، وهذا لا رَيبِ فيهِ.
وأمَّا الإجماعُ فلا إجماعَ في المَسألةِ، بلْ قَدْ نُقِلَ عَنْ أكابِرِ الصَّحابةِ -مِثلِ الزُّبيرِ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وعليٍّ وابنِ مَسعُودٍ وابنِ عبَّاسٍ- أنَّهُ لا تقَعُ الثَّلاثُ بكَلمةٍ واحدَةٍ، وهوَ قَولُ غَيرِ واحدٍ مِنَ التَّابعِينَ ومَن بَعدَهُم كطَاوسٍ وعِكرمةَ وابنِ إسحاقَ والحجَّاجِ بنِ أرطاةَ، وقولُ طائِفةٍ مِنْ أصحابِ مالِكٍ مِنْ أهلِ قُرطُبةَ وغَيرِهم، وقولُ طائِفةٍ مِنْ فُقهاءِ الحَديثِ مِنْ أصحابِ أحمدَ وغَيرِهم، وكانَ جَدُّنا أبو البَرَكاتِ يُفتِي بذلكَ أحيانًا، وقولُ طائِفةٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ أهلِ الحَديثِ والكَلامِ والفِقهِ، وهوَ أحَدُ قَولَي الظَّاهِريَّةِ بلْ أكثرِهم، وقولُ الشِّيعةِ.
وأمَّا القِياسُ فلا قِياسَ في وُقوعِهِ، بلِ القِياسُ أنَّهُ لا يَقعُ؛ لأنَّهُ مَنهيٌّ عنْهُ، والنَّهيُ يَقتضي فَسادِ المَنهيِّ عنهُ، بمَعنَى أنَّهُ لا يَحصلُ للمَنهيِّ قَصدُه، والمَنهيُّ عَنِ الطَّلاقِ المُحرَّمِ قَصدُهُ وقوعُهُ، ففَسادُهُ يُوجِبُ أنْ لا يَحصلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute