وغيْرَهم مِنَ العُلماءِ ضعَّفُوا حَديثَ رُكانةَ، وذلكَ أنَّ رُواتَهُ قَومٌ لم يُعرَفُوا بحَمْلِ العِلمِ، ولا يُعرَفُ مِنْ عدْلِهم وضَبْطِهم ما يُوجِبُ أنْ تَثبُتَ بمِثلِ نقْلِهم سُنَّةٌ للمُسلمِينَ تُوجِبُ حُكمًا عامًّا للأمَّةِ.
وأيضًا فالرِّوايةُ الثَّانيةُ لا تَدلُّ بمَنطُوقِها، بل غايَةُ ما تَدلُّ بمَفهُومِها، وهوَ لو قالَ: «أردْتُ ثَلاثًا» كانَ يحْتَملُ أنْ يُؤدِّبَه على ذلكَ ويُعاقبَه؛ لكونِ ذلكَ مُحرَّمًا، ويحْتَملُ أنَّهُ كانَ يُوقِعُها بهِ، فاستِفهامُهُ لهُ يَدلُّ على اختِلافِ الحُكمِ بيْنَ إرادَةِ الواحِدةِ وإرادَةِ الثَّلاثِ، لكنْ هَلْ كانَ الإحلافُ لأجْلِ التَّحريمِ والمَعصيةِ؟ أمْ لأجْلِ الوُقوعِ؟ هذا ليسَ في الحَديثِ ما يُبيِّنهُ.
وفي «سُنَن النَّسائِيِّ»: «أنَّ رَجلًا طلَّقَ امرأتَهُ ثلاثًا على عَهدِ النَّبيِّ ﷺ فغَضِبَ عليهِ وقالَ: أتَتَلاعَبُ بكِتابِ اللهِ وأنا بيْنَ أظهُرِكُم؟ فقالَ الرَّجلُ: أفأَقتُلُه يا نَبيَّ اللهِ؟»
فهذا فيهِ غَضبُه عليهِ حتَّى استَأذنَهُ بعْضُ المُسلمِينَ في قتْلِهِ، وليسَ فيهِ أنَّهُ أوقَعَ بهِ الثَّلاثَ، فدلَّ ذلكَ على أنَّ هذا كانَ مُنكَرًا عِنْدَ النَّبيِّ ﷺ، وفاعِلُه مُستَحِقٌ للذَّمِّ والعِقابِ، وليسَ فيهِ أنَّهُ أوقَعَهُ بهِ، فقَدْ يكونُ استِفهامُ رُكانةَ لهذا، فهذا الحَديثُ لا يَدلُّ على وُقوعِ الثَّلاثِ، بلْ على تَحريمِها، ودلالَتُهُ على أنَّها لا تقَعُ أقْوَى.
ثمَّ قدْ ثَبَتَ في «صَحيحِ مُسلِمٍ» وغَيرِه عنِ ابنِ عبَّاسٍ: «أنَّ الثَّلاثَ كانَتْ واحِدةً على عَهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ وأبي بَكرِ وصَدرًا مِنْ خِلافةِ عُمرَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute