للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثِ تَطليقاتٍ، كما جاءَ ذلكَ مُفسَّرًا في الصَّحيحِ، وحَديثُ المُتلاعنَينِ: طلَّقَها ثَلاثًا بعْدَ اللِّعانِ، واللِّعانُ حرَّمَها عليهِ أشدَّ مِنْ تَحريمِ الطَّلاقِ، فكانَ وُجودُ الطَّلاقِ كعَدمِهِ.

وإذا قيلَ: فلِماذا لَم يَنهَهُ عَنْ التَّكلُّمِ بالثَّلاثِ إنْ كانَتْ لا تُوجِبُ طلاقًا في هذهِ الحالِ؟

قيلَ: كما أنَّهُ لَم يَنهَهُ عَنْ أصلِ التَّطليقِ في هذهِ الحالِ معَ أنَّهُ عِنْدَهُمْ لا يُفيدُ ولا يَقعُ بها طلاقٌ؛ وذلكَ لأنَّ النَّهيَ إنِّما كانَ لِمَفسدةِ الوُقوعِ، فلمَّا لَم يَكنْ هُنا مَحلٌ يَقعُ بهِ الطَّلاقُ لم تَكنْ هُنا مَفسدَةٌ، كما لو طلَّقَ أختَهُ الَّتي تزوَّجَها، فإذا تزوَّجَ مَنْ تَحرُمُ عليهِ على التَّأبيدِ وطلَّقَها كانَ هذا تَوكيدًا للتَّحريمِ، فكذلكَ طَلاقُ المُلاعنَةِ تَوكيدٌ لمَقصودِ الشَّارعِ، فإنَّهُ بيَّنَ أنَّ مَقصودَهُ تَحريمُها عليهِ، والشَّارعُ قصَدَ ذلكَ أيضًا، بخِلافِ مَنْ قصَدَ الشَّارعُ أنْ لا يُحرِّمَها عليهِ بالثَّلاثِ، بَلْ نهَاهُ عَنْ إيقاعِ الثَّلاثِ جُملةً بها، ولهذا غَضِبَ النَّبيُّ على مَنْ أوقَعَ الثَّلاثَ في غَيرِ المُلاعنَةِ، دُونَ مَنْ أوقَعَه في المُلاعَنَةِ.

وأمَّا حَديثُ رُكانةَ بنِ عبدِ يَزيدَ فقدْ رُويَ أنَّهُ طلَّقَها ثلاثًا فردَّهَا علَيهِ بعْدَ الثَّلاثِ، ورُويَ أنَّهُ طلَّقَها البَتَّة، وأنَّهُ حلَّفَهُ ما أرادَ إلَّا واحدةً، فقالَ: مَا أردْتُ إلَّا واحِدةً»، فرَدَّهَا، وقدْ رَوى أهلُ السُّننِ أبو داودَ وغَيرُه هذهِ وهذهِ، ورَجَّحُوا الثَّانيةَ؛ لأنَّها مِنْ رِوايةِ أهلِ بَيتِه، لكنَّ أحمدَ وأبا عُبيدٍ وابنَ حزْمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>