للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧ - ولأنَّ هذا ضِدُّ الورَعِ، إذْ تُبيحُونَ فرْجَها لأجنَبيٍّ بِلا بَيانٍ، وإنَّما الورَعُ أنْ لا تُحرَّمَ على المُسلِمِ امرَأتُه الَّتي نَحنُ على يَقينٍ مِنْ أنَّ اللهَ ﷿ أباحَها لهُ وحرَّمَها على مَنْ سِواهُ إلَّا بيَقينٍ، وأمَّا بالظُّنونِ والمُحتَملاتِ فلا.

١٨ - وأمَّا استِدلالُكُم بحَديثِ ابنِ عُمَرَ فالجَوابُ عنهُ كما يلي:

أمَّا قَولُه : «مُرْهُ فلْيُراجِعْها» فالمُراجعةُ قَدْ وقَعَتْ في كَلامِ اللهِ ورَسولِه على ثَلاثةِ مَعانٍ: تُستَعمَلُ في العَقدِ المُبتَدَأِ، وتُستَعمَلُ في إمسَاكِ المُطلَّقةِ، وتُستَعملُ في إمساكِ مَنْ لَم يقَعْ بها طَلاقٌ.

أحَدُها: ابتِداءُ النِّكاحِ، كقَولِه تعالَى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠]، ولا خِلافَ بيْنَ أحَدٍ مِنْ أهلِ العلمِ بالقُرآنِ أنَّ المُطلِّقَ هاهُنا هوَ الزَّوجُ الثَّاني، وأنَّ التَّراجُعَ بيْنَها وبيْنَ الزَّوجِ الأوَّلِ، وذلكَ نِكاحٌ مُبتدَأٌ.

والثَّاني: في رَجعةِ المُطلَّقةِ، قالَ تعالَى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ﴾، فهذا رَجعةُ المُطلَّقةِ.

والثَّالثُ: الرَّدُّ الحِسيُّ إلى الحالةِ الَّتي كانَ عليهَا أوَّلا، «فرَدَّها عليَّ»، كقَولِه لأبِي النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ لمَّا نَحَلَ ابنَهُ غُلامًا خصَّهُ بهِ دُونَ ولَدِه: «رَدَّهُ»، فهذا رَدُّ ما لَم تَصحَّ فيهِ الهِبَةُ الجائِزةُ الَّتي سمَّاها رَسولُ اللهِ جَورًا وأخبَرَ أنَّها لا تَصلُحُ وأنَّها خِلافُ العَدلِ.

ومِن هَذا قَولُه لِمَنْ فرَّقَ بيْنَ جاريَةٍ وولَدِها في البَيعِ، فنَهاهُ عَنْ ذلكَ ورَدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>