للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - وأيضًا فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ إنَّما أمَرَ بالتَّسريحِ بإحسانٍ، ولا أَشَرَّ مِنَ التَّسريحِ الَّذي حرَّمَه اللهُ ورَسولُه، ومُوجَبُ عَقدِ النِّكاحِ أحَدُ أمرَينِ: إمَّا إمساكٌ بمَعرُوفٍ أو تَسريحٌ بإحسانٍ، والتَّسريحُ المُحرَّمُ أمْرٌ ثالثٌ غَيرُهما، فلا عِبرةَ بهِ أَلبتَّةَ.

١٥ - وقد قالَ اللهُ تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، وصحَّ عَنِ النَّبيِّ المُبيِّنِ عَنِ اللهِ مُرادَهُ مِنْ كلامِه أنَّ الطَّلاقَ المَشروعَ المأذُونَ فيهِ هوَ الطَّلاقُ في زمَنِ الطُّهرِ الَّذي لَم يُجامَعْ فيهِ، أو بعْدَ استِبانةِ الحمْلِ، وما عَداهُما فليسَ بطَلاقٍ للعدَّةِ في حَقِّ المَدخُولِ بها فلا يكونُ طلاقًا، فكيفَ تَحرُمُ المرأةُ بهِ؟

١٦ - قالُوا: وقَد قالَ تعالَى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٦٩]، ومَعلومٌ أنَّه إنَّما أرادَ الطَّلاقَ المأذُونَ فيهِ، وهوَ الطَّلاقُ للعدَّةِ، فدَلَّ على أنَّ ما عَداهُ ليسَ مِنَ الطَّلاقِ، فإنَّه حصَرَ الطَّلاقَ المَشروعَ المأذُونَ فيهِ الَّذي يَملِكُ بهِ الرَّجعةَ في مرَّتَينِ، فلا يَكونُ ما عَداهُ طَلاقًا، قالُوا: ولِهذا كانَ الصَّحابَةُ يَقولونَ إنَّهم لا طاقَةَ لهُمْ بالفَتوَى في الطَّلاقِ المُحرَّمِ، كما رَوى ابنُ وَهبٍ عَنْ جَريرِ بنِ حازِمٍ عَنِ الأعمَشِ أنَّ ابنَ مَسعودٍ قالَ: «مَنْ طلَّقَ كما أمَرَهُ اللهُ فقَد بيَّنَ اللهُ لهُ، ومَن خالَفَ فإنَّا لا نُطيقُ خِلافَه»، ولو وقَعَ طَلاقُ المُخالِفِ لَم يَكنِ الإفتاءُ بهِ غيْرَ مُطاقٍ لَهُم، ولَم يَكنْ للتَّفريقِ مَعنًى إذا كانَ النَّوعانِ واقعَينِ نافِذَينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>