والأصلُ فيهِ ما رُوِيَ عَنْ إبراهِيمَ النَّخَعيِّ ﵀ أنَّهُ قالَ:«كانَ أصحَابُ رَسولِ اللهِ ﷺ يَستَحسِنونَ أنْ لا يُطلِّقُوا لِلسُّنةِ إلَّا واحِدةً، ثمَّ لا يُطلِّقُوا غيْرَ ذلكَ حتَّى تَنقضيَ العِدَّةُ»، وفي رِوايةٍ أُخرَى قالَ في الحِكايةِ عَنهُم:«وكانَ ذلِكَ عِنْدَهُمْ أَحسَنُ مِنْ أنْ يُطلِّقَ الرَّجلُ ثَلاثةً في ثَلاثةِ أطهارٍ»، وهَذا نَصٌّ في البابِ، ومِثلُه لا يَكذِبُ.
ولأنَّ الكَراهةَ لمَكانِ احتِمالِ النَّدمِ، والطَّلاقُ في طُهرٍ لا جِماعَ فيهِ دَليلٌ علَى عَدمِ النَّدمِ؛ لأنَّ الطُّهرَ الَّذي لا جِماعَ فيهِ زَمانُ كمالِ الرَّغبةِ، والفَحلُ لا يُطلِّقُ امرأتَه في زَمانِ كمالِ الرَّغبةِ إلَّا لشِدَّةِ حاجَتِه إلى الطَّلاقِ، فالظَّاهرُ أنَّه لا يَلحقُه النَّدمُ، فكانَ طلاقُه لِحاجةٍ فكانَ مَسنُونًا، ولو لَحِقَه النَّدمُ فهوَ أقرَبُ إلى التَّدارُكِ مِنَ الثَّلاثِ في ثَلاثةِ أطْهارٍ، فكانَ أحسَنَ.
وإنَّما شَرَطْنا أنْ يَكونَ في طُهرٍ لا طلاقَ فيهِ؛ لأنَّ الجَمْعَ بيْنَ الطَّلقاتِ الثَّلاثِ أو الطَّلقتَينِ في طُهرٍ واحدٍ مَكرُوهٌ عِندَنا.
وإنَّما شَرَطْنا أنْ لا يَكونَ في حَيضةِ جِماعٍ ولا طَلاقٍ؛ لأنَّه إذا جامَعَها في حَيضِ هذا الطُّهرِ احتُمِلَ أنَّه وقَعَ الجِماعُ مُعلَّقًا فيَظهَرُ الحبَلُ فيَندَمُ عَلى صَنيعِه، فيَظهَرُ أنَّه طلَّقَ لا لِحاجةٍ، وإذا طلَّقَها فيهِ فالطَّلاقُ فيهِ بمَنزلةِ الطَّلاقِ في الطُّهرِ الَّذي بعْدَهُ؛ لأنَّ تلكَ الحَيضةَ لا يُعتَدُّ بها، ولو طَلَّقَها