الطَّلاقِ بعِوضٍ لمَصلحةٍ لهُما في ذلكَ، فما الَّذي يُحرِّمُه؟ وإنْ قيلَ «إنَّه فَسخٌ» فلا رَيبَ أنَّ النِّكاحَ مِنْ العُقودِ اللَّازمةِ، والعَقدُ اللَّازمُ إذا اتَّفقَ المُتعاقدانِ على فَسخِه ورَفعِه لم يُمنعَا مِنْ ذلكَ، إلَّا أنْ يكونَ العَقدُ حقًّا للهِ، والنِّكاحُ مَحضُ حقِّهما، فلا يُمنعانِ مِنْ الاتِّفاقِ على فَسخِه.
الوجهُ الثَّامنُ: أنَّ الآيةَ اقتَضَتْ جَوازَ الخُلعِ إذا خافَ الزَّوجانِ ألَّا يُقيمَا حُدودَ اللهِ، فكانَ الخُلعُ طَريقًا إلى تمكُّنِهما مِنْ إقامَةِ حُدودِ اللهِ، وهيَ حُقوقُه الواجِبةُ عليهما في النِّكاحِ، فإذا كانَ الخُلعُ معَ استقامةِ الحالِ طريقًا إلى تمكُّنِهما مِنْ إقامَةِ حُدودِه الَّتي تعطَّلُ ولا بُدَّ بُدونِ الخُلعِ؛ تعيَّنَ الخُلعُ حِينئذٍ طَريقًا إلى إقامَتِها.
فإنْ قيلَ: لا يَتعيَّنُ الخُلعُ طريقًا، بل هاهُنا طَريقانِ آخَرانِ: أحدُهُما: مُفارَقتُهما، والثَّاني: عَدمُ إلزامِ الطَّلاقِ بالحِنثِ إذا أخرَجَه مَخرجَ اليَمينِ إمَّا بكفَّارةٍ أو بدُونها، كما هي ثلاثةُ أقوالٍ للسَّلفِ مَعروفةٍ صرَّحَ بها أبو مُحمدٍ ابنُ حَزمٍ وغيرُه.