للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بنَ عَبدِ اللهِ المُزَنِيَّ التَّابعيَّ المَشهورَ فإنهُ قالَ: لا يَحلُّ للرَّجلِ أنْ يأخُذَ مِنْ امرَأتِه في مُقابلِ فِراقِها شَيئًا؛ لقَولِه تعالَى: ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] فأورَدُوا عليهِ ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، فادَّعى نسْخَها بآيةِ النِّساءِ، أخرَجَه ابنُ أبِي شَيبةَ وغَيرُه عنهُ، وتُعُقِّبَ معَ شُذوذِه بقَولِه تعالَى في النِّساءِ أيضًا: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ﴾ [النساء: ٤] وبقَولِه فيها: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا﴾ [النساء: ١٢٨] الآيَة، وبالحَديثِ، وكأنَّه لم يَثبُتْ عندَه أو لم يَبلُغْه، وانعَقدَ الإجماعُ بعْدَه على اعتِبارِه، وأنَّ آيةَ النِّساءِ مَخصوصةٌ بآيةِ البَقرةِ وبآيَتيِ النِّساءِ الأُخرَتينِ (١).

وقالَ الإمامُ الشَّوكانِيُّ : وأجمَعَ العُلماءُ على مَشروعيَّتهِ … (٢).

وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : وأجمَعَ الجُمهورُ منهُم أنَّ الخُلعَ والفديَةَ والصُّلحَ جائزٌ بيْنَ الزَّوجَينِ في قَطعِ العِصمةِ بينَهُما، وأنَّ ما أعطَتْه على ذلكَ حَلالٌ إذا كانَ على مِقدارِ الصَّداقِ فما دُونَه، وكانَ مِنْ غَيرِ إضرارٍ منهُ بها ولا إساءَةٍ إلَيها، إلَّا بكرَ بنَ عبدِ اللهِ المُزنِيَّ فإنهُ شَذَّ فقالَ: لا يَحلُّ له أن يأخُذَ منها شَيئًا على حالٍ مِنْ الأحوالِ، وزعَمَ أنَّ قولَه ﷿: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] مَنسوخٌ بقَولِه ﷿: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [النساء: ٢٠] إلى قَولِه: ﴿مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: ٢١].


(١) «فتح الباري» (٩/ ٣٩٥، ٣٩٦).
(٢) «نيل الأوطار» (٧/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>