أنْ يَضربَها؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، فيكونُ الضَّربُ بعدَ الهَجرِ في الفِراشِ وتَركِها مِنْ الكَلامِ ثلاثةَ أيَّامٍ (١).
وقالَ ابنُ قدامَةَ ﵀: ظاهِرُ كلامِ الخِرَقيِّ أنَّه ليسَ لهُ ضربُها في النُّشوزِ في أوَّلِ مرَّةٍ، وقد رُويَ عن أحمَدَ: «إذا عصَتِ المرأةُ زوْجَها فلهُ ضربُها ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ»، فظاهِرُ هذا إباحةُ ضَربِها بأوَّلِ مرَّةٍ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، ولأنها صرَّحَتْ بالمَنعِ فكانَ لهُ ضربُها كما لو أصرَّتْ، ولأنَّ عقوباتِ المعاصِي لا تَختلفُ بالتَّكرارِ وعدَمِه كالحُدودِ، ووجهُ قولِ الخرقيِّ المَقصودُ زجرُها عنِ المَعصيةِ في المُستقبَلِ، وما هذا سَبيلُه يُبدأُ فيهِ بالأسهَلِ فالأسهَلِ، كمَن هُجِمَ مَنزلُه فأرادَ إخراجَهُ.
وأمَّا قَولُه: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤] ففيها إضمارٌ تَقديرُه: (والَّلاتي تَخافُونَ نُشوزَهنَّ فعِظُوهنَّ فإنْ نشَزْنَ فاهجُروهنَّ في المَضاجِعِ فإنْ أصرَرْنَ فاضرِبُوهنَّ) كمَا قالَ سُبحانَه: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣]، والَّذي يَدلُ على هذا أنَّه رتَّبَ هذهِ العُقوباتِ على خوفِ النُّشوزِ، ولا خِلافَ في أنهُ لا يَضربُها لخَوفِ النُّشوزِ قبْلَ إظهارِه، وللشَّافِعيِّ قولانِ كهذَينِ، فإنْ لم تَرتدعْ
(١) «المغني» (٧/ ٢٤٢)، و «المبدع» (٧/ ٢١٥)، و «الإنصاف» (٨/ ٣٧٧)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٣٧، ٢٣٨)، و «منار السبيل» (٣/ ٦٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute