للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلكَ كما هوَ مأخوذٌ في حالِ عَجزِها عنهُ إمَّا بمرَضٍ أو زَمانةٍ؛ وذلكَ أنَّ فاطِمةَ إذ شكَتْ ما تلقَى في يَدِها مِنْ الطَّحنِ والعَجينِ إلى أبيها، وسألَتْه خادِمًا لعَونِها على ذلكَ لم يأمُرْ زوْجَها عَليًّا بأنْ يَكفيَها ذلكَ، ولا ألزَمَه وضْعَ مَؤونةِ ذلكَ عنها إمَّا بإخدامِها أو باستِئجارِ مَنْ يَقومُ بذلكَ، بل قد رُويَ عنهُ أنهُ قالَ لها: «يا بُنيَّةُ اصبِري، فإنَّ خيْرَ النِّساءَ الَّتس نفَعَتْ أهلَها»، وفي هذا القَولِ مِنْ النَّبيِّ دليلٌ بيِّنٌ أنَّ فاطِمةَ معَ قيامِها بخِدمِة نَفسِها كانت تَكفِي عليًّا بعضَ مُؤَنِه مِنْ الخِدمةِ، ولو كانَتْ كفايةُ ذلكَ علَى عليٍّ لَكانَ قد تَقدَّمَ إلى عليٍّ في كِفايتِها ذلكَ كما تَقدَّمَ إليهِ إذْ أرادَ الابتِناءَ بها أنْ يَسوقَ إليها صَداقَها حينَ قالَ لهُ: «أينَ دِرعُكَ الحُطميَّةُ؟»، وغيرُ جائزٍ أنْ يُعلِّمَ النبيُّ أمَّتَه الجميلَ مِنْ مَحاسِنِ الأخلاقِ ويَتركَ تَعليمَهم الفُروضَ التي ألزَمَهُم اللهُ، ولا شَكَّ أنَّ سَوْقَ الصَّداقِ إلى المَرأةِ في حالِ إرادتِه الابتِناءَ بها غيرُ فَرضٍ إذا رَضِيَتْ بتأخيرِه عن زَوجِها.

فإنْ قيلَ: فإنكَ تُلزِمُ الرَّجلَ إذا كانَ ذا سعَةٍ كفايةَ زوْجَتِه الخِدمةَ إذا كانَتِ المرأةُ ممَّن لا يخدمُ مِثلها.

قيلَ: حُكمُ مَنْ كانَ كذلكَ مِنْ النِّساءِ حُكمُ ذواتِ الزَّمانةِ والعاهةِ مِنهنَّ اللواتي لا يَقدرْنَ على خِدمةٍ، ولا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ أنَّ على الرَّجلِ كفايةَ مَنْ كانَ مِنهنَّ كذلكَ، فلذلكَ ألزَمْنَا الرَّجلَ كفايةَ التي لا تَخدمُ نفْسَها مَئونةَ الخِدمةِ التي لا تَصلحُ لها، وألزَمْناهُ مَئونةَ خادِمٍ إذا كانَ في سَعةٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>