للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ العرَبيِّ المالِكيُّ : هذا أمرٌ دائِرٌ على العُرفِ والعادةِ الَّذي هو أصلٌ مِنْ أصولِ الشَّريعةِ؛ فإنَّ نِساءَ الأعْرابِ وسكَّانِ الباديةِ يَخدمُنَّ أزواجُهنَّ حتَّى في استِعذابِ الماءِ وسِياسةِ الدَّوابِّ، ونِساءُ الحَواضِرُ يَخدمُ المُقِلُّ مِنهم زوْجَهُ فيما خَفَّ ويُعينُها، وأمَّا أهلُ الثَّروةِ فيُخدمونَ أزواجَهم ويَترفَّهنَ مَعهم إذا كانَ لهُم مَنصِبٌ في ذلكَ، وإنْ كانَ أمرًا مُشكلًا شرَطَتْ عليهِ الزَّوجةُ ذلكَ، فتُشهِدُ عليهِ أنَّه قد عرَفَ أنها ممَّن لا تَخدمُ نفْسَها فالتَزمَ إخدامَها، فيَنفذُ ذلكَ عليهِ وتَنقطعُ الدَّعوَى فيهِ، وهذا هوَ القولُ الصَّحيحُ (١).

وذهَبَ أبو بكر بنُ أبي شَيبةَ وأبو إسحاقَ الجَوزَجانِيُّ وشَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ إلى وُجوبِ خِدمةِ المرأةِ لزَوجِها؛ لقِصَّةِ عليٍّ وفاطمةَ، فإنَّ النَّبيَّ قضَى على ابنَتِه فاطِمةَ بخِدمةِ البَيتِ، وعلى عَليٍّ ما كانَ خارِجًا مِنْ البَيتِ، رواهُ الجَوزَجانِيُّ مِنْ طُرُقٍ.

قالَ الجوزَجانِيُّ : وقد قالَ النَّبيُّ : «لَو كُنْتُ آمِرًا أحَدًا أنَّ يَسجدَ لأحَدٍ لأمَرْتُ المرأةَ أنْ تَسجدَ لزَوجِها، ولو أنَّ رجلًا أمَرَ امرأتَهُ أنْ تَنقلَ مِنْ جَبلٍ أسوَدَ إلى جبَلٍ أحمَرَ أو مِنْ جبَلٍ أحمَرَ إلى جَبلٍ أسوَدَ كانَ عليها أنْ تَفعلَ»، ورَواهُ بإسنادِه.

قالَ: فهذهِ طاعتُهُ فيما لا مَنفعةَ فيهِ، فكيفَ بمُؤونةِ مَعاشِهِ؟! وقد كانَ النَّبيُّ يأمُرُ نِساءَهُ بخِدمتِه، فقالَ: يا عائِشةُ اسقِينا، يا عائِشةُ


(١) «أحكام القرآن» لابن العربي (٣/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>