بَينَهنَّ في ذلكَ، حتَّى لو كانَتْ تحتَهُ امرأتانِ حُرَّتانِ أو أمَتانِ يَجبُ عليهِ أنْ يَعدلَ بينَهُما في المَأكولِ والمَشروبِ والمَلبوسِ والسُّكْنَى والبَيتُوتةِ.
والأصلُ فيهِ قولُه تعالَى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣] عَقِيبَ قَولِه تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣] أي: إنْ خِفتُم أنْ لا تَعدِلوا في القَسْمِ والنَّفقةِ في نِكاحِ المَثْنَى والثُّلاثِ والرُّباعِ فواحِدةً، ندَبَ ﷾ إلى نكاحِ الواحِدةِ عندَ خَوفِ تَرْكِ العَدلِ في الزِّيادةِ، وإنَّما يُخافُ على تَركِ الواجِبِ، فدلَّ أنَّ العَدلَ بينَهنَّ في القَسْمِ والنَّفقةِ واجِبٌ، وإليهِ أشارَ في آخرِ الآيةِ بقَولِه: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣)﴾ [النساء: ٣] أي: تَجُورُوا، والجَورُ حَرامٌ، فكانَ العَدلُ واجِبًا ضَرورةً، ولأنَّ العَدلَ مأمُورٌ بهِ؛ لقَولِه ﷿: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠] على العُمومِ والإطلاقِ، إلَّا ما خُصَّ أو قُيِّدَ بدَليلٍ (١).
وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ ﵀: وأمَّا العَدلُ في النَّفقةِ والكُسوةِ فهوَ السُّنةُ أيضًا؛ اقتِداءً بالنَّبيِّ ﷺ، فإنَّه كانَ يَعدلُ بينَ أزواجِهِ في النَّفقةِ كما كانَ يَعدلُ في القِسمةِ، معَ تَنازُعِ النَّاسِ في القَسْمِ؛ هل كانَ واجِبًا عليهِ أو مُستحَبًّا له؟ وتَنازَعوا في العَدلِ في النَّفقةِ؛ هل هو واجِبٌ أو مُستحَبٌّ؟ ووَجوبُه أَقوى وأشبَهُ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وهذا العَدلُ مأمورٌ بهِ ما دامَتْ زَوجةً، فإنْ أرادَ أنْ يُطلِّقَ إحداهُما فلهُ ذلكَ، فإنِ اصطَلحَ هوَ والَّتي
(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٣٢)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٦٨)، و «مجمع الأنهر» (١/ ٥٤٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute