للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي بكرٍ الصِّديقِ : «أكَلَ طَعامًا ثم أُخبِرَ أنه مِنْ حَرامٍ فاستَقاءَه» (١).

وقالَ الإمامُ السُّيوطيُّ : مُعامَلةُ مَنْ أكثرُ مالِه حَرامٌ إذا لم يَعرفْ عيْنَه لا يَحرمُ في الأصَحِّ، لكنْ يُكرهُ، وكذا الأخَذُ مِنْ عَطايا السُّلطانِ إذا غلَبَ الحَرامُ في يَدِه، كما قالَ في «شَرْح المُهذَّبِ»: إنَّ المَشهورَ فيهِ الكَراهةُ لا التحريمُ، خِلافًا للغَزاليِّ (٢).

وسُئلَ الإمامُ ابنُ حَجرٍ الهَيتميُّ : ما حُكمُ عَطايا أربابِ وِلاياتِ زَمانِنا؟

فأجابَ بقَولِه: عَطايا الوُلاةِ قَبِلَها قَومٌ مِنْ السَّلفِ، وتَورَّعَ عنها آخَرونَ، فيَجوزُ قَبولُها ما لم يَتحقَّقْ في شَيءٍ منها أنه مُحرَّمٌ كمكْسٍ أو نحوِه، فلا يَجوزُ قَبولُه، وأمَّا مع عَدمِ ذلكَ التحقُّقِ فالقَبولُ جائزٌ، وأما قَولُ الغزاليِّ: «لا يَجوزُ مُعامَلةُ مَنْ أكثَرُ مالِه حَرامٌ» فضَعيفٌ كما قالَهُ النَّوويُّ في «شَرْح المُهذَّبِ»، بل المُعتمَدُ جَوازُ مُعامَلتِه والأكلُ ممَّا لم يَتحقَّقْ حُرمتَه مِنْ مالِه.

وإذا أكَلَ إنسانٌ شَيئًا فبانَ أنه مِلكٌ لغَيرِه فهل يُطالَبُ به في القِيامةِ؟ قالَ البَغويُّ: إنْ كانَ ظاهِرُ مَطعمِه الخيرَ لم يُطالَبْ به الآكِلُ، وإنْ كانَ ظاهِرُه خِلافَ ذلكَ -أي: كأربابِ الولاياتِ- طُولِبَ -أي: لعَدمِ عُذرِه-، فلا يَنبغِي الهُجومُ على أكلِ أموالِ الوُلاةِ وإنْ جازَ بقَيدِه السابقِ، بل يَنبغِي التنزُّهُ


(١) «جامع العلوم والحكم» ص (٧٠، ٧١).
(٢) «الأشباه والنظائر» ص (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>