في القليلِ والكَثيرِ بعدَ إخراجِ قَدرِ الحَرامِ منه، وهو قولُ الحَنفيةِ وغيرِهم، وأخَذَ به قَومٌ مِنْ أهلِ الوَرعِ، منهُم بِشرٌ الحافِيُّ، ورخَّصَ قومٌ مِنْ السَّلفِ في الأكلِ ممَّن يعلَمُ في مالِه حَرامٌ ما لم يعلَمْ أنه مِنْ الحَرامِ بعَينِه، فصَحَّ كما تقدَّمَ عن مَكحولٍ والزُّهريِّ، ورُويَ مثلُه عن الفُضيلِ بنِ عِياضٍ، ورُويَ في ذلكَ آثارٌ عن السَّلفِ، فصَحَّ عن ابنِ مَسعودٍ أنه سُئلَ عمَّن له جارٌ يأكلُ الربا عَلانيةً ولا يَتحرَّجُ مِنْ مالٍ خَبيثٍ يأخُذُه يَدعُوه إلى طَعامٍ قالَ:«أَجيبوهُ، فإنما المَهنأُ لكُم والوِزرَ عليهِ»، وفي رِوايةٍ أنه قالَ:«لا أعلَمُ له شيئًا إلا خبيثًا أو حَرامًا، فقالَ: أَجيبوهُ»، وقد صحَّحَ الإمامُ أحمَدُ هذا عن ابنِ مَسعودٍ، ولكنَّه عارَضَه عارضٌ بما رُويَ عنه أنه قالَ:«الإثمُ حَوَّازُ القُلوبِ»، ورُويَ عن سلمانَ مثلُ قولِ ابنِ مَسعودٍ الأولِ، وعن سعيدِ بنِ جُبيرٍ والحسَنِ البصريِّ ومُورِّقٍ العجليِّ وإبراهيمَ النخَعيِّ وابنِ سيرينَ وغيرِهم، والآثارُ بذلكَ مَوجودةٌ في كتابِ «الأدَب» لحُميدِ بنِ زِنْجَويهِ، وبعضُها في كتابِ «الجامِع» للخلَّالِ، وفي مُصنَّفِي عبدِ الرزاقِ وابنِ أبي شَيبةَ وغيرِهم.
ومتَى عُلِمَ أنَّ عينَ الشيءِ حَرامٌ أُخذَ بوَجهٍ مُحرَّمٍ فإنه يَحرمُ تَناولُه، وقد حَكى الإجماعَ على ذلكَ ابنُ عبدِ البَرِّ وغيرُه، وقد رُويَ عنِ ابنِ سِيرينَ في الرَّجلِ يُقضَى مِنْ الربا قالَ: لا بأسَ بهِ، وعنِ الرَّجلِ يُقضَى مِنْ القِمارِ قالَ: لا بأسَ بهِ، خرَّجَه الخلَّالَ بإسنادٍ صَحيحٍ، ورُويَ عن الحسَنِ خِلافُ هذا، وأنه قالَ: إنَّ هذهِ المَكاسبَ قد فسَدَتْ، فخُذُوا مِنها ما أشبَهَ المُضطرَّ، وعارَضَ المَرويَّ عن ابنِ مَسعودٍ وسَلمانَ ما رُويَ عن