والشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ المهرَ إذا كانَ حالًّا إلَّا أنَّ المرأةَ لم تَستلمْه وسلَّمَتْ نفسَها مطاوِعةً إلى الزوجِ ودخَلَ بها ووَطئَها برِضاها ثم أرادَتْ منْعَ نفسِها بعدَ ذلكَ حتى تَقبضَ مهرَها فإنه لا يَجوزُ لها بعدَ ذلكَ أنْ تَمتنعَ منه ولا أنْ تَحبسَ نفسَها حتَّى تَقبضَ مهرَها، ولكنْ لها الحقُّ في المُطالَبةِ بمهرِها دونَ أنْ تَحبسَ نفسَها؛ لأنَّ التسليمَ استَقرَّ به العوضُ برضَى المُسلِّمِ، فلمْ يكنْ لها أنْ تَمتنعَ منه بعدَ ذلك، كما لو سلَّمَ البائعُ المَبيعَ؛ لأنها بالوطءِ مرةً واحدةً أو بالخَلوةِ الصحيحةِ سلَّمَتْ جَميعَ المعقودِ عليه برِضاها وهي مِنْ أهل التَّسليمِ، فبطَلَ حقُّها في المنعِ كالبائعِ إذا سلَّمَ المبيعَ، ولا شَكَّ في الرِّضا وأهليةِ التسليمِ، والدليلُ على أنها سلَّمَتْ جَميعَ المعقودِ عليه أنَّ المَعقودَ عليه في هذا البابِ في حُكمِ العَينِ، ولهذا يتأكَّدُ جميعُ المهرِ بالوطءِ مرةً واحدةً، ومعلومٌ أنَّ جميعَ البدلِ لا يتأكَّدُ بتسليمِ بعضِ المعقودِ عليه، وما يتكررُ مِنْ الوَطَآتِ مُلتحِقٌ بالاستخدامِ، فلا يُقابِلُه شيءٌ مِنْ المهرِ.
ولأنَّ أحكامَ العقدِ إذا تعلَّقَتْ بالوطءِ اختصَّتْ بالوطءِ الأولِ وكانَ ما بعدَه تبَعًا، وقد رفَعَ الوطءُ الأولُ حُكمَ الإمساكِ في حقِّه، فوجَبَ أنْ يرفَعَه في حقِّ تَبَعِه كالإحلالِ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٨٨)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٢٨٥، ٢٨٦)، و «الهداية» (١/ ٢١١)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ١٥٥)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ٣٧٠)، و «العناية» (٥/ ٣٤، ٣٥)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٤٣، ٣٤٥)، و «البحر الرائق» (٣/ ١٨٩)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٧١)، و «الدر المختار» (٣/ ١٤٣، ١٤٥)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٥٧٦، ٥٧٧)، و «مواهب الجليل» (٥/ ١٥٨، ١٥٩)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٢٥٧، ٢٥٨)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١٣٦، ١٣٧)، و «تحبير المختصر» (٣/ ١٢، ١٣)، و «حاشية الصاوي» (٥/ ٨٣، ٨٧)، و «الحاوي الكبير» (٩/ ٥٣١)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٣٠٥)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٣٦٥)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٣٩٠)، و «الديباج» (٣/ ٣١٣)، و «المغني» (٧/ ٢٠٠)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٢٢٨).