ولمُحمدٍ أنَّ النكاحَ عَقدٌ مُؤبَّدٌ، فكانَ شرطُ الإحلالِ استِعجالَ ما أخَّرَه اللهُ تعالَى لغَرضِ الحِلِّ، فيَبطلُ الشرطُ ويَبقى النكاحُ صَحيحًا، لكنْ لا يَحصلُ بهِ الغرضُ، كمَن قتَلَ مُورِّثَه أنه يُحرَمُ الميراثَ؛ لمَا قُلنا، كذا هذا.
ولأبي حنيفةَ أنَّ عُموماتِ النكاحِ تَقتضي الجوازَ مِنْ غيرِ فصلٍ بَينَ ما إذا شُرطَ فيهِ الإحلالُ أو لا، فكانَ النكاحُ بهذا الشَّرطِ نكاحًا صحيحًا، فيدخلُ تحتَ قولِه تعالَى: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]، فتَنتهي الحرمةُ عندَ وجودِهِ، إلَّا أنهُ كُرِهَ النكاحُ بهذا الشرطِ لغيرِهِ، وهوَ أنهُ شرطٌ يُنافِي المقصودَ مِنَ النكاحِ وهوَ السَّكَنُ والتوالُدُ والتعفُّفُ؛ لأنَّ ذلكَ يَقفُ على البقاءِ والدوامُ على النكاحِ، وهذا -واللهُ أعلمُ- معنَى إلحاقِ اللعنِ بالمُحلِّلِ في قولِهِ ﷺ: «لعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له».
وأمَّا إلحاقُ اللعنِ بالزوجِ الأوَّلِ -وهوَ المُحلَّلُ له- فيَحتملُ أنْ يكونَ لوجهَينِ:
أحدُهُما: أنهُ سببٌ لمُباشَرةِ الزوجِ الثاني هذا النكاحَ لقَصدِ الفِراقِ والطلاقِ دونَ الإبقاءِ وتَحقيقِ ما وُضعَ لهُ، والمُسبِّبُ شَريكُ المُباشِرِ في الإثمِ والثوابِ في التسبُّبِ للمعصيةِ والطاعةِ.
والثاني: أنهُ باشَرَ ما يُفضِي إلى ذلكَ الذي تَنفِرُ منهُ الطباعُ السليمةُ، وتَكرهُه مِنْ عَودِها إليهِ مِنْ مُضاجعةِ غيرِه إيَّاها واستِمتاعِه بها وهو الطَّلَقاتُ الثلاثُ، إذْ لولاها لَمَا وقَعَ فيهِ، فكانَ إلحاقُه اللعنَ بهِ لأجْلِ الطَّلَقاتِ، واللهُ ﷿ أعلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute