قيلَ: هذا كانَ زمنَ الفتحِ قبلَ التَّحريمِ، ثمَّ حرَّمَها بعدَ ذلكَ، بدليلِ ما رواهُ مُسلمٌ في «صحيحه» عن سلَمةَ بنِ الأكوعِ قالَ: «رخَّصَ لنا رسولُ اللهِ ﷺ عامَ أوطاسٍ في المُتعةِ ثلاثًا، ثمَّ نهَى عنها»، وعامُ أوطاسٍ هوَ عامُ الفتحِ؛ لأنَّ غَزاةَ أوطاسٍ مُتصِلةٌ بفتحِ مكَّةَ.فإنْ قيلَ: فما تَصنعونَ بما رَواهُ مسلمٌ في «صحيحه» عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قال: «كنَّا نَستمتعُ بالقَبضةِ مِنْ التَّمرِ والدَّقيقِ الأيَّامَ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ وأبي بَكرٍ، حتَّى نهَى عنها عُمَرُ في شأنِ عَمرِو بنِ حُريثٍ»، وفيمَا ثبتَ عَنْ عمرَ أنه قالَ: «مُتعتانِ كانتَا على عهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ أنا أنهَى عَنهُما، مُتعةُ النِّساءِ ومُتعةُ الحجِّ»؟قيلَ: الناسُ في هذا طائِفتانِ: طائفةٌ تقولُ إنَّ عُمرَ هوَ الَّذي حرَّمَها ونهَى عنها، وقد أمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ باتِّباعِ ما سنَّهُ الخُلفاءُ الرَّاشدونَ، ولم تَرَ هذهِ الطائفةُ تَصحيحَ حَديثِ سَبْرَةَ بنِ معبدٍ في تَحريمِ المتعةِ عامَ الفتحِ، فإنه مِنْ رِوايةِ عبدِ الملكِ بنِ الرَّبيعِ بنِ سَبْرَةَ عَنْ أبيهِ عَنْ جَدِّه، وقدْ تكلَّمَ فيهِ ابنُ مَعينٍ، ولم يَرَ البُخاريُّ إخراجَ حَديثِه في «صحيحه» معَ شدَّةِ الحاجَةِ إليهِ وكونِه أصلًا مِنْ أصولِ الإسلامِ، ولو صحَّ عِندَه لم يَصبِرْ عن إخراجِه والاحتِجاجِ بهِ، قالُوا: ولو صحَّ حديثُ سَبْرةَ لم يَخْفَ على ابنِ مَسعودٍ حتَّى يَرويَ أنهم فَعلُوها ويَحتجَّ بالآيةِ، وأيضًا: ولو صَحَّ لم يَقلْ عمرُ: «إنها كانَتْ على عهدِ رَسولِ اللهِ ﷺ وأنَا أنَهى عَنها وأعاقِبُ عَليها»، بل كانَ يقولُ: إنه ﷺ حرَّمَها ونهَى عنها، قالُوا: ولو صَحَّ لم تُفعلْ على عهدِ الصِّديقِ، وهو عهدُ خِلافةِ النُّبوةِ حقًّا.والطائفةُ الثانيةُ رأتْ صحَّةَ حديثِ سَبرةَ، ولو لم يَصحَّ فقَدْ صحَّ حديثُ عليٍّ ﵁ «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ حرَّمَ متعةَ النِّساءِ»، فوجَبَ حملُ حديثِ جابرٍ على أنَّ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute